لأخطاء الكبرى للملك الحسن الثاني
سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن قال: " لو فكرت يوما في تدوين مذكراتي لقمت بعرض حصيلة أخطائي
و قد أجمع المحللون على أنه ترك للملك محمد السادس مغربا مثقلا بالمعضلات، إذ ورث لوحة قاتمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومغربا يرهق فيه الفقر غالبية السكان في وقت لازالت فيه جروح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مفتوحة.
وُصم عهد الملك الراحل الحسن الثاني بالماضي "الأسود" وبـ "سنوات الجمر والرصاص" وانتشار القمع والانفراد بالحكم والتزوير والنهب وسوء تدبير الشأن العام. ففي عهده سجن الآلاف وصودرت أحلام جيل بكامله وانحرفت سيرورة التنمية لغير صالح البلاد والعباد. كما طُبع عهده بتكريس الظلم الاجتماعي في حق العديد من أبناء الشعب ومواجهة الشباب المعطلين بالهراوات في واضحة النهار وأمام الملأ ولا من حرك ساكنا. إنه عهد تفننت فيه الأجهزة الأمنية والمخابراتية في مراقبة كل شاردة وواردة وإحصاء أنفاس المغاربة.
فهناك إجراءات ظلت عسيرة على الفهم مثل عدم السماح لعائلة المهدي بن بركة بالعودة إلى المغرب واحتجاز أسرة الجنيرال أوفقير (الأم والأطفال) في ظروف لا إنسانية وتجريد أبرهام السرفاتي من جنسيته المغربية وغيرها من الإجراءات.
و يكاد الجميع يقر بحدوث انتهاكات جسيمة، بل هناك من ذهب إلى القول بارتكاب مجازر في ظل "إمارة المؤمنين". وعموما ، إذا كان الكثيرون يقرون بأن الملك الراحل الحسن الثاني جنب المغرب من حكم الحزب الواحد، فإن البعض يقر أن عهده ظل مطبوعا بفضاءات سوداء لازال المغاربة يؤدون ثمنها إلى حد الآن.
و مهما يكن من أمر، إن تطرق ملف هذا العدد لبعض ما يمكن اعتباره أخطاء لا يعني نفي وجود الايجابيات، لأن المرء لا يمكنه أن يتنكر، بأي وجه من الوجوه، لجملة من المحطات التاريخية في العهد الحسني لازال المغاربة يفتخرون بها إلى حد الآن.
و ملف هذا العدد هو مجرد محاولة لعرض بعض القضايا اعتبرها الكثيرون بمثابة أخطاء كانت لها تأثيرات واضحة على المسار الذي عرفته البلاد. وهذه المحاولة ليست، بأي حال من الأحوال، تقييما وإنما قراءة لأحداث ومواقف وإجراءات أُتُخذت قد يعارضها البعض ويتفق معها البعض الآخر
حاول الكثيرون تقديم عهد الملك الراحل الحسن الثاني كمرحلة تاريخية عرف فيها المغرب الاستبداد والانفراد بصنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهيمنة شخص الملك على مختلف قطاعات الحياة وإتباع نهج "العصا والجزرة" للتصدي للانفجارات الاجتماعية التي بلغت أوجها في عهده.
إلا أن البعض يعتبر أن عهد الملك الراحل الحسن الثاني لم يكن "سوداويا" بتلك النظرة التي دأب الكثيرون على الترويج لها، إذ عرف، محطات مشرقة تجاوز إشراقها الحدود الوطنية والقارية لتنتج انعكاسات دولية حميدة، وهذا رأي المغاربة وغير المغاربة. واكتفاء ملف هذا العدد على إشكالية "الأخطاء الكبرى للحسن الثاني" يؤكد هذه الحقيقة ولا ينكرها.
إن التطرق لحصيلة عهد دام أكثر من ثلاثة عقود والاقتصار على بعض الجوانب السلبية من شأنه أن يؤدي إلى نوع من سوء فهم البعض، لاسيما إن لم يتم ربطها بالظرف التاريخي والوضعية على الصعيد الوطني والعالمي.
فلا يوجد حاكم عربي دبّر أمور بلاده، بدءا من الخمسينيات إلى السبعينيات، لا يتضمن مشواره أخطاء وانعكاسات وخيمة جدا لقرارات اتخذها. لذا وجب التعامل مع ما يدعوه البعض بالأخطاء الكبرى، في إطارها التاريخي، الزمني والمكاني، باعتبار أن ما قد يبدو خطأ جسيما للبعض، يرى فيه البعض الآخر أنه كان أنسب قرار لمواجهة وضعية عاشها المغرب في ظرف تاريخي معين. وبذلك يظل التاريخ هو الكفيل بالحكم، في نهاية المطاف، على العهد الحسني
إن الظرف العالمي على امتداد جزء كبير من العهد الحسني تميز بسيادة الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وسحق الصفة الإنسانية على الصعيد العالمي عموما وعلى الصعيد العربي على وجه الخصوص. والأمثلة كثيرة للبرهنة على هذا الواقع، وتكفي الإشارة لبعضها لتوضيح الصورة. فهناك عراق صدام حسين وسوريا حافظ الأسد والبعث واسبانيا فرانكو بميلشياتها وبرتغال سالازار وديكتاتوريته التي عمّرت طويلا وهناك نظام شاوسيسكو برومانيا ونظام تيتو والنظام العسكري بالجزائر والقدافي بليبيا الذي كان يحشر أنفه في المياه العكرة أينما وُجدت في العالم. كما أنه هناك صين ماوتسيتونغ والاتحاد السوفييتي في عهد ستالين، هذا دون نسيان تداعيات وانعكاسات ألمانيا هيتلر وايطاليا موسوليني. إنها مرحلة تاريخية طُبعت بقمع الديموقراطية في جميع القارات وبتناسل الانقلابات العسكرية وبتحويل الحركات التحررية إلى أنظمة ديكتاتورية واستبدادية كما وقع في الجزائر في عهد الهواري بومدين، السودان في عهد النميري، انغولا في عهد دوس سانتوس، طانزانيا في عهد نيريري، في مصر في عهد جمال عبد الناصر ومن خلفوه، في الشيلي في عهد بينوشي، في الأرجنتين في عهد بيرون وفي البرازيل في عهد فارغاس واللائحة طويلة.
كما أنه على الصعيد العربي سادت شعارات القومية العربية التي استهدفت بالدرجة الأولى تنحية الأنظمة الملكية من العالم العربي وهذا عنصر يبدو أن الكثيرين من المحللين يتناسون أهميته بشكل أو بآخر.
في هذه الأجواء، عالميا وعربيا، حكم الملك الراحل الحسن الثاني بعد أن استخلص العبر من كل تلك التجارب ليختار بمفرده ما اختاره كمسار للمغرب.
و إذا كانت تازمامارت وأكدز وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف ومختلف المعتقلات السرية من حصيلة العهد الحسني، فهناك كذلك جملة من المواقف والانجازات التي جعلت الملك الراحل من الشخصيات العظيمة التي طبعت عصرها محليا وقاريا وعالميا. وبهذا الخصوص، لا يخفى على أحد الوعي المبكر بأهمية إشكالية الماء والذي شكل خلفية بلورة سياسة السدود الكبرى منذ الستينيات وكذلك الامتياز في تدبير الاكراهات الناجمة عن الموقع الاستراتيجي والجيوسياسي للمغرب، وما هذه إلا أمثلة من بين أخرى.
لكن، في ظل هذه الأجواء، كرّس الملك الراحل الحسن الثاني التنافر بين القصر والقوى السياسية الحية وهندس له ونتج عنه انفراده بالحكم وتقعيد كل السياسات المعتمدة وفي جميع الميادين، على الهاجس الأمني، الشيء الذي ولّد القمع كلازمة رافقت العهد الحسني للتصدي لكل الانفجارات الاجتماعية من جراء تمادي تردي الأوضاع وبذلك انخرط المغرب في فترة من العنف والعنف المضاد كما تم التفريط في جملة من المواعيد التاريخية وضاعت أكثر من فرصة لانطلاق مسلسل التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية لأوسع فئات الشعب هكذا تراكمت المعضلات واتسعت دوائرها إلى أن وصلت البلاد إلى مشارف السكتة القلبية أكثر من مرة. وكانت النتيجة بروز مغربين اثنين: مغرب "القلة القليلة" التي ظلت تتحكم في مصادر الثروة ومغرب "باقي المغاربة" الذين ظلوا يعانون تدهور أحوالهم واغتيال آمالهم سنة تلو الأخرى إلى أن فقدوا الأمل في الغد القريب.
ويظل العنوان البارز، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تلك الممارسات التي أُقتُرفت تحت إمرة ثلة من الأشخاص، من أقرب المقربين للقصر الملكي وللملك وكلها ممارسات أساءت للمغرب والمغاربة، لاسيما وأنها كادت تمحو كل ما هو ايجابي في العهد الحسني. إن كل ما قام به الجنيرال محمد أوفقير كان سببا مباشرا في الكثير من الويلات التي عانى منها المغاربة وكذلك الشأن بالنسبة لما قام به إدريس البصري، في ظل استمرارية تردي الأوضاع المعيشية وسيادة تكريس الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والدوس على كرامة المواطن.
و قد يتطلب جرد الأخطاء الكبرى التي طبعت العهد الحسني دراسة معمقة ومتخصصة، لكن الإشارة لبعضها من شأنه أن يساهم في تقريب بعض جوانب الصورة العامة للإشكالية وهذا ما تتوخاه الأوراق المقترحة ضمن هذا الملف
موضوع الملف من انجاز موقع صوت العروبة
بمساعدة و شهادات
الإعلامي عبد الكريم الأمراني
عبد الله الحريف الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي
إدريس لشكر عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي
مولاي إسماعيل العلوي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية
أحمد الدغرني الأمين العام للحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي
الكاتب و الصحفي خالد الجامعي
اعداد و توضيب و صور من انجاز موقع المغرب الملكي