Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
المغرب الملكي
1 mars 2007

مستملحات ومقالب ملك

Hassan_II_80سبق للكاتب الفرنسي "مونتيني" أن قال " أقسى مهن العالم وأصعبها، في رأيي مهنة ملك يدير شؤون مملكة بجدارة واستحقاق"، في حين قال رديفه، الفرنسي كذلك "مونتسيكو":"عبرة أزلية خالدة تشير إلى أن كل رجل يحوز سلطة مطلقة يميل إلى التعسف فيها".
عرف الملك الراحل بعبقرية خاصة، وفي عهده شاعت عقلية الحيلة، وأحيانا كثيرة كانت على حساب القيم، وبعد وفاته وقع كما يحدث عندما تفرط المسبحة فتتناثر حباتها بطريقة عشوائية، وبذلك انكشفت جملة من الأمور، البسيطة منها والمعقدة، كانت بالأمس القريب تحاط بأسوار سميكة من الصمت والتستر، لكن اليوم أضحينا نعيش في فترة لم تعد فيها أسوار الكتمان تصمد مهما كان سمكها، لأن في هذا العصر أضحت حتى "العتمة باهرة"، حسب تعبير الطاهر بنجلون.
وخلافا لمظاهر "تقديس"الملك، كشخصية عمومية رسمية، كانت حياة الملك ـ الإنسان اليومية مع المقربين والمحيطين به لا تخلو من مستملحات ومقالب وحسابات وحسابات مضادة، تارة في جو مرح يسوده اللطف في المعاملات وتتجاوز خلاله البروتوكولات، وتارة في جو يسوده الغضب وردود الفعل غير المنتظرة، لأن ككل البشر الملوك يضحكون وينكتون، يتلقون مقالب الغير ويفتعلون مقالب لآخرين، لاسيما في اللقاءات الحميمية والدوائر المحدودة.
وما يهمنا في ملف هذا الأسبوع هو عرض جملة من المستملحات أبطالها فنانون ومقربون عاشوا أحداث ومقالب وحسابات وحسابات مضادة، على امتداد حياة الملك الراحل الحسن الثاني منذ كان وليا للعهد، منها ما استقيناه من قراءات تنقيبية ومنها ما هو صادر عن جهات عاينت الواقعة ومنها ما جاء على لسان ضيوف هذا العدد.

سعيد هبال مهتم بالحقل الفني "عليك أن تختار إما الملك وإما الفن"ا

استضفنا سعيد هبال الذي هو بصدد إعداد كتاب "فنانون في بلاط الملك"، وأجرينا معه دردشة عن عهد الملك الراحل الحسن الثاني وبدأ حديثه قائلا..
قبل الحديث عن طرائف ومستملحات الملك في مجال الفن، وجبت الإشارة إلى أن العلاقة بين الملك الحسن الثاني والفنانين، المغاربة منهم والأجانب، كانت علاقة وطيدة، وهذا أمر طبيعي إذا علمنا أنه فتح عينيه وسط أسرة، يعتقد أغلب الناس أنها محافظة إلى أقصى الحدود، وهذا خطأ شائع. فالملك الراحل محمد الخامس كان من أشد المولعين بالأندلسي والملحون، وكان يستقبل، هو كذلك، قبل ابنه، محمد عبد الوهاب وأم كلثوم.
إن الملك الراحل الحسن الثاني نشأ ببيت مولع فطرة، وحب الأسرة الملكية للفن وفن السماع والمديح والزخرفة والنقش.. إذن مسألة الفن هي متأصلة ومتجذرة في ثقافة العائلة الملكية في كل محطة من محطات التاريخ، وهذه مسألة أولى، والمسألة الثانية أن الملك الحسن الثاني ظلت اتصالاته برجالات الأدب والفن بشكل عام تتجدد باستمرار.

درس القانون وتألق في الموسيقى

normal_hassan2_7E0يقول سعيد هبال.. لما توجه الملك الحسن الثاني إلى فرنسا لدراسة القانون فتحت له الأبواب لتلقي دروس في الموسيقى، ومن الأشياء التي تحكى، أن الملك محمد الخامس كان متشددا شيئا ما في تربية ولي عهده وفي تعامله معه، لأنه كان يعده رجل سياسة لإمارة المؤمنين وكرجل دولة لتحمل مسؤولية سدة الحكم، وبالتالي كان يراقبه عن كثب ويباغته ويفاجئه سواء بالمغرب أو بفرنسا.
ويضيف سعيد هبال.. ومرة زاره بإقامته وهو طالب بالديار الفرنسية بكلية الحقوق، فوجد فونوغرافا وعددا كبيرا من الاسطوانات، ربما تفوق عدد الكتب والمنشورات والدروس، بالغرف التي يقطن بها، غضب محمد الخامس وشرع في تكسير الفونوغراف والأسطوانات وخاطب ولي عهده بلهجة حادة قائلا: "إنك لا تعرف ماذا ينتظرك في المغرب.. فما ينتظرك هو الملك، وعليك أن تختار من الآن، إما الملك وإما الفن..". ولكن، رغم هذا التحذير، وهذا الوعيد، وهذه اللهجة الحادة، ظل الملك الحسن الثاني على صلة بالموسيقى، وكانت أول آلة تعاطى لها هي البيانو ثم الأكورديون، إنه كان عازفا من الدرجة الأولى على الآلة الأولى، إذ كان يعزف قطعا عالمية.
وبعد عودته إلى المغرب وتحمل مسؤولية الملك، كانت أول خرجة له تلك التي قام بها لتدشين مسرح محمد الخامس، الذي سوف يحدث انقلابا كبيرا في الحياة المسرحية بالمغرب. وظلت تربط جلالته علاقة خاصة بالفنانين المغاربة وغير المغاربة.
فالملك لم يكن فقط يحب الفنانين، بل كان يشفق عليهم، وكان يريد أن يؤمن مستقبلهم، وقال لهم أكثر من مرة: "أنا أعرف أنكم لا تدخرون مالا وليست لديكم إمكانيات مادية، لذلك أحاول أن أضمن لكم مستقبلكم لمعرفتي ما قد يقع غدا أو بعد غد..". ومن هنا، كانت عطاءاته سخية، ومن على العديد منهم بالسكن وبرخص استغلال سيارات الأجرة وسيارات النقل من مختلف الأحجام، ويضيف سعيد هبال موضحا.. وأعلم أنه إن لم يكن الملك قد قدم مساعدة لفنان كان في حاجة لها فلأنه لم يصله خبره، ولو وصلت عن طريق مقربيه أو أحد زملائه الفنانين لما بخل، لأن يد جلالته بيضاء على كل الفنانين المغاربة.
لقد كانت علاقة الملك بالفنانين علاقة شفقة وعطف وتأمين المستقبل باعتبار أنه لا توجد مؤسسات حاضنة بالمغرب والتي من المفروض أن تتدخل، كما هو الحال في مصر مثلا، فعندما مرض الفنان عدوية تدخلت النقابة ووزارة الفنون ولم يتدخل رئيس الجمهورية، علما أن في البرلمان المصري كرسي فخري للفنانين، وفي كل دورة يحتله أحد الفنانين، وهنا يمكن للمرء أن يدرك قيمة الفنان في المجتمع.
كان الملك الحسن الثاني يشفق على الفنانين كثيرا، فقد منح لبنياز "كريمة" حافلة للمسافرين، وقال لنعيمة سميح: "أين ذهب ما أعطيتك"، وكانت يومها على حافة الإفلاس، وقد قدم لها مساعدات أخرى. ويقول سعيد هبال.. حكي لي الطيب الصديقي أنه يحتفظ بوثيقة بخط الملك الراحل الحسن الثاني مكتوبة بقلمه وتتضمن توصية إلى الوزير أحمد العلوي لتخصيص فترات للتدريب بمسرح محمد الخامس لفرقته.

الحسن الثاني مكون تكوينا موسيقيا كاملا متكاملا

يقر سعيد هبل.. أن الملك الراحل الحسن الثاني كان مكونا تكوينا موسيقيا كاملا متكاملا، وكان الفنانون يخافونه حين يقفون في حضرته، فمرة خاطب علال من مجموعة ناس الغيوان وقال له: "البانجو الذي تمسكه وتعزف عليه لا يتوفر على ربع المقام"، فقال كل من باطما وعمر السيد: "لقد نزعنا منه "لي كاز""، فابتسم الملك وقال: "لا تسمى" لي كاز" وإنما تسمي العربات والدساتين"، ثم أردف جلالته قائلا: "والآن بعد هذا التحويل ماذا أصبح ذلك البانجو"، فقال أحدهم: "بانجو غيتار يا مولاي"، فرد عليه الملك: بل "سنيترة" كالتي كانت في حوزة الحسين السلاوي"، ودخل معهم في نقاش عميق ودقيق حول هذه الآلة الموسيقية، أبهر به جميع الحاضرين.
وقال عمر السيد لسعيد هبال: "أنا فوجئت بشكل كبير لغزارة معلومات جلالته في المجال الموسيقي وإلمامه ببعض التقنيات الخاصة وجملة من الآلات الموسيقية.
ويسترسل سعيد هبال ساردا.. مرة طلب الملك الحسن الثاني ميزان هوارة ولم تتمكن أية فرقة من الفرق الحاضرة في حضرته تقديمه، ما عدا فرقة ازنزارن التي أنقدت الموقف وساعدها عمر السيد بالبندير، ورافق جلالته الموسيقيين على آلة الإيقاع.

الحسن الثاني مغربي حتى النخاع

يتابع سعيد هبال حديثه قائلا.. مرة أوقف الملك الحسن الثاني أحد المقرئين في الدروس الحسنية المبثوثة مباشرة على الهواء وقال له: "أريدك أن تقرأ بدون غنة وبدون مهاوات" لأنه كان يستحسن كثيرا القراءة على الطريقة المغربية الأصيلة، كما كان يفعل المقرئ بنموسى، وكان جلالته يحرص على عدم تشويه الموسيقى والرقص المغربيين، لذلك تدخل لتوقيف مشروع "زينون" الذي مس بالرقص المغربي وشوهه، وقال له: "أريد أن تأتي المرأة المغربية من عجينها وترقص ويأتي الرجل من حقله حاملا منجله ويرقص..".
إن الملك الحسن الثاني كان مغربيا حتى النخاع، لكن هذا لم يمنعه من استقبال واستضافة العديد من الفنانين من أمريكا اللاتينية وأوروبا وغيرهما.
كما أرسل بعض الفنانين المغاربة إلى الخارج للمزيد من التألق في العزف على آلاتهم، ومنهم الشريف عازف الساكسوفون الذي أرسله إلى الولايات المتحدة للتمرس على إتقان آلته، كما ساهم في تأسيس العديد من الأجواق بالمغرب وأمر بإحداث المعاهد الموسيقية، وكان يتابع كذلك البرامج التلفزية وما ينشر في الجرائد، كما كان جلالته حريصا أن يبقى الفن المغربي محافظا على بصماته الخاصة.

درس حسني في ضبط الآلات الموسيقية

واستطرد سعيد هبال.. سبق للملك الحسن الثاني أن تدخل أكثر من مرة في أمور موسيقية دقيقة جدا، كما وقع مع الفرقة الماسية التي يترأسها فؤاد حسن في إحدى السهرات، فقال له الملك: "هناك بعض آلات الكمان ضمن الجوق غير مضبوطة".
فتوجه فؤاد حسن إلى جوق الشجعي الذي كان يرافق فرقته، فقال له الملك: "الكمان غير المضبوط ليس مغربيا وإنما مصري"، ولما عجز فؤاد حسن عن كشفه، قام الملك من مكانه وتوجه إلى عازفين في الفرقة الماسية ووجد فعلا آلتيهما غير مضبوطتين، وتلى هذا التدخل الذي أبهر الحاضرين بإلقاء درس قيم حول ضبط الآلات الموسيقية، إذ وقعت هذه الحادثة بقصر الصخيرات.
يسترسل سعيد هبال.. قال الملك: "هناك أشياء يعرفها المغاربة ولا تعرفونها أنتم المشارقة، فالمغربي لا يمكنه أن يأتي بآلة غير مضبوطة، أتعرفون لماذا؟ لأنه بكل بساطة يعرف حق المعرفة أن الرطوبة تؤثر على ضبط الآلات ولو كان الوقت وجيزا بين لحظة الضبط والعرض، لذلك فالفنان المغربي لا يقوم بضبط آلته إلا وهو على الخشبة قبيل العرض".

مع المزكلدي

يسترسل سعيد هبال حديثه قائلا.. خلال زواج إحدى الأميرات سأل الملك الحسن الثاني عن "بلاطو" السهرة ومن فيه؟ فقيل لجلالته هناك عبد الهادي بلخياط وفلان وفلانة.. فقال لهم: ".. وأين هو المزكلدي؟"، فقيل له لا يوجد ضمن لائحة الفنانين المدعوين، فقال: "أنني أريد المزكلدي لكي يغني في زفاف ابنتي "العروسة مرهونة""، فتم الاتصال بعامل مدينة فاس وحملوا الفنان المزكلدي على وجه السرعة إلى القصر الملكي، وكان مريضا ولم يكن قد تمرن على هذه القطعة منذ مدة مع الجوق، فسأله الملك: "لم أرك منذ مدة"، فأجابه المزكلدي: "نعم آسيدي لي كلا حقو تايغمض عينيه"، وقال له الملك: "كيف هي أحوالك الآن؟" وأجاب المزكلدي: "أنا مريض طريح الفراش ولا من سأل عني"". وبعد الحفل استقبله الملك وقال له: "ماذا تطلب؟ وماذا يمكن أن أقدمك لك؟"، فأجابه المزكلدي بكل نبل: "نعم آسيدي، وضعي المادي مريح، ولكني أريدكم أن تلتفتوا إلى المعطي بلقاسم، إنه يموت ولديه أكثر من سبعة أولاد"، آنذاك كان الفنان بلقاسم مهددا بالإفراغ من بيته نظرا للدعوى القضائية التي رفعت ضده. لم يطلب المزكلدي شيئا لنفسه وإنما طلبه لزميله المعطي بلقاسم، وبذلك كبر في عين الملك الحسن الثاني.

مع عبد القادر البدوي

ويضيف سعيد هبال.. وكذلك الشأن بالنسبة للفنان عبد القادر البدوي الذي استقبله الملك على إثر برنامج كان قد قدمه أحد المنشطين بالإذاعة فسأله الملك: "ماذا تطلب؟" فكان الفنان عبد القادر نبيلا وقال: "أنا لا أطلب لنفسي، ولكن أطلب تدارك الفنانين المسرحيين، فإنهم لا يجدون ثمن قهوة سوداء ومنهم من غادر عمله بعد ما كان يعتقد أنه سيضمن مستقبله بممارسة الفن".

مع محمود الإدريسي

يتوقف سعيد هبال مليا فيستطرد قائلا.. كان الملك الحسن الثاني في كل مرة يقابل فيها محمود الإدريسي يهديه بذلة من بذله، وكان يقول له: "إياك أن تعطي هذه البذلة أو تبيعها لشخص، لن تعرف قيمة هذه البذل إلا بعد وفاتي حين سيقول الناس هذه البذلة كان يرتديها الحسن الثاني الذي حكم المغرب".
ويواصل سعيد هبال.. إلتقيت منذ أسبوعين محمود الإدريسي خلال حفل تكريمه بالدار البيضاء وسألته هل مازال يحتفظ ببذل الحسن الثاني فأكد لي ذلك، علما أن الملك الحسن الثاني توقف عن منح بذله لمحمود الإدريسي بعد أن أصيب بالهزال لشدة المرض وأصبح الإدريسي ينتفخ من شدة السمنة، فقال له الملك: "ليس لدي ما أعطيك يا محمود".

مع الحاج يونس

يقول سعيد هبال.. حكى لي الحاج يونس أن الملك الحسن الثاني طلب منه عزف قطعة MON AMOUR لأراخويل، وكان يحفظها عن ظهر قلب إلى درجة أنه لا يمكنك أن تعزفها في حضرته وترتكب أبسط خطأ، وما هذه إلا مجرد إشارة لالتصاق الملك الحسن الثاني بالفن. آنذاك قام الملك بتغيير في القطعة وأدخل فيها مقاما عربيا.
وأردف سعيد هبال قائلا.. مرة أعجب بعزف الحاج يونس فقال له: "أنا أريد أن أكرم هذه الآلة (العود)، وعليك التفكير في صيغة لتكريمها"، فاقترح الحاج يونس إحداث مهرجان في مدينة مغربية خاص بالآلات الوترية وآلة العود، وهذا ما كان، ولازال مهرجان تطوان حيا إلى حد الآن، وبعد مرور زهاء ثلاثة أشهر، اتصل الملك الحسن الثاني بالحاج يونس وقال له: "لقد كرمت آلة العود بطريقة خاصة، فماذا تظن أنني فعلت؟"، فأجبه الحاج يونس: "لا اعرف يامولاي"، فرد عليه جلالته: "اذهب إلى بنك المغرب بالرباط، ستجد الوالي في انتظارك وخذ من عنده ورقة من فئة عشرة دراهم وستجد فيها آلة عود"، ولما اطلع الحاج يونس على الرسم أبدى ملاحظة أغضبت الملك، إذ قال: "يا مولاي العود المرسوم على الورقة النقدية به 12 لولبا فهو شرقي، أما العود المغربي فله 11 لولبا فقط"، غضب الملك على الذي رسم ذلك العود، فأمر بإعادة طبع ورقات جديدة بعود مغربي، وهذا ما كان، وهو أمر لم ينتبه له إلا بعض المغاربة القلائل فقط.

مع الغرباوي

جاء في حديثنا مع سعيد هبال.. عندما وقعت للغرباوي حادثة سير بالقرب من سيدي العايدي، وكان في غيبوبة، وعندما استيقظ منها وجد الملك الحسن الثاني عند رأس سريره ولكثرة فرحته كاد أن يعود إلى غيبوبته، آنذاك أصدر الملك أمره لطبيبه الخاص لمرافقة الغرباوي إلى الخارج لتتمة العلاج هناك.
وأردف سعيد هبال.. مرة أخرى طلب الملك إحضار الغرباوي فلم يجدوه، إذ كان يغني في العلب الليلية، ولما التقى به قال له: "أين ذهبت؟"، فرد عليه: "أبحث عن الخبز يا مولاي"، آنذاك أمر أحمد العلوي، الذي كان وزيرا للأنباء والثقافة وقتئذ بتوظيفه، وهذا ما كان، حيث عينه في السلم السابع. ولما قابله في المرة القادمة، سأله الملك: "هل أعجبك السلم؟" فأجابه: "لقد وظفوني في سلم 7"، غضب الملك وقال لأحمد العلوي: "هل مبدع إنها ملهمتي يتم توظيفه في السلم السابع؟"، فترقى إلى السلم التاسع، وظل الملك يعطف عليه وعلى العديد من الفنانين حتى الذين ينكرون الآن هذه الأشياء ويتنكرون للجميل.

ليلة شعبانة

يقول سعيد هبال.. كان الفنانون لا يترددون على القصر الملكي فقط في المناسبات الوطنية، وإنما هناك مناسبات أخرى لا يعلمها الكثير من المغاربة، فالملك الراحل الحسن الثاني كان يحيي ليلة "شعبانة"، وهذه الليلة بالنسبة للفنانين هي في واقع الأمر مجموعة من الليالي، فكانت تخصص ليلة للفولكلور وليلة لكل لون من ألوان الفن، وكان الملك يخصص مبلغا ماليا مهما يقدمه للفنانين الذي كانوا ينتظرون ليلة "شعبانة" بفارغ الصبر، هذا بغض النظر عن المناسبات الأخرى، كعيد الشباب وأعياد ميلاد الأمراء والأميرات، كما كانت هناك جلسات خاصة يحييها القصر الملكي.

الجلسات الخاصة

يضيف سعيد هبال.. حينما يأتي ضيف من ضيوف الملك، كان يطلب منه ماذا يريد أن يسمع؟ وكان فعلا يلبي طلباته، وغالبا ما كان يحضر الفنان صالح الشرقي، عازف القانون، وغيره.
كما أن الحاج يونس عزف مرارا في حضرة جلالته بمعية ضيوفه. وعندما زار شيمون بيريز المغرب طلب ألوانا موسيقية وحضرت حالا، لقد كان الملك الحسن الثاني يفتخر بالتنوع الموسيقي والتعددية الفنية وبالمنتوج الفني المغربي.
ويقر سعيد هبال.. وفي واقع الأمر كانت هذه إشارات قوية من طرف الملك للاهتمام بالمنتوج الفني، فإن أحسنا ترويجه وتحكمنا في إنتاجه يمكن أن يكون دعما للاقتصاد الوطني وأن يذر على الخزينة أموالا، لكن مع الأسف الشديد لم يتم التقاط هذه الإشارات من طرف من يهمهم الأمر.

مع الفنانين المشارقة

يسترسل سعيد هبال قائلا.. كان الملك الحسن الثاني حريصا على استقدام فنانين من الشرق كعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وصباح وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب ووديع الصافي وفخري والعديد من الفنانين.
ويضيف سعيد هبال.. مرة خاطب الملك بلهجة حادة حيث وصله أن هناك من قال بأنه يبدد الأموال على هؤلاء الفنانين القادمين من الشرق، فقال لهم: "تيقوا بي فإنني لا أصرف درهما واحدا من خزينة المملكة، أنا أصرف عليهم من مالي الخاص، وأقوم بذلك لتتاح لكم الفرصة للاحتكاك بهؤلاء الفنانين حتى تتعلموا منهم، فأنا أعطيكم فرصة وأقدم لكم مدرسة وأقربها منكم حتى لا تتحملوا مشقة السفر إلى المشرق للتعلم..".

مع عمر السيد

يقول سعيد هبال بحضور عمر السيد.. قال له الملك الحسن الثاني يوما: "إننا لا نراكم كثيرا في التلفزيون"، فسارع أحمد البيضاوي للإجابة قاصدا المزيد من صب الزيت على النار: "نقوم بدعوتهم في المناسبات الوطنية فيرفضون"، في تلك اللحظة تسمرت أرجل أعضاء فرقة ناس الغيوان بعد هذا الكلام الخطير، وأمام هذا الموقف الخطير، فقال له الملك: "آسي أحمد البيضاوي هادو ما تيغنيوش القطع الوطنية، ما عندهوم ما ديرو بها، هادو عندهوم جمهور ديال الكاريان والحي المحمدي والناس "الحازقين" (بهذه العبارة)، وتايغنيو أغاني لا علاقة لها بما تقول،، واش تجيبوهوم بزز باش يغننيو أغاني وطنية..."، وبذلك أحرج البيضاوي وتنفس ناس الغيوان الصعداء.
إن عمر السيد دخل القصر الملكي كمسرحي مع الطيب الصديقي، كما دخل مع يسري شاكر في مسرحية "لالة غنو"، وأول مرة سوف يغني، لم تكن آنذاك قد تأسست بعد مجموعة ناس الغيوان، فقال السيد: "أنا أريد أن أغني"، قال له الملك: "ماذا ستغني؟"، فأجاب: "لدي قطعة قد لحنتها"، فاستفسر الملك عن اسمها، فقال عمر: "قطتي صغيرة"، ضحك الملك وقال: "هذه قطعة موجودة في التلاوة.."، ثم شرع عمر السيد في الغناء، افتتح بموال وغنى "قطتي صغيرة اسمها نميرة"، ومن هنا انطلقت فكرة تأسيس فرقة غنائية.
وعلى ذكر ناس الغيوان، كان الملك يسأل عن بوجميع يوم وفاته بماذا توفي؟ فقيل له: "بقرحة المعدة وأصيب بنزيف"، فقال لهم الملك: "لماذا لم تخبرونني، فالقرحة مرض يعالج".

مع الحياني وبلخياط وآخرين

استطرد سعيد هبال قائلا.. كان الملك الحسن الثاني يقوم بدعوة محمد الحياني ويقول له: "غني قطعة زي الهوا" أمام عبد الحليم حافظ، ويستدعي عبد الهادي بلخياط ويقول له: "غني قطعة كل هذا كان ليه" أمام محمد عبد الوهاب، ويدعو بهيجة إدريس للغناء أمام صباح، وذلك حتى يتباهى بالفنان المغربي.
ومرة قال الملك للفنانة صباح: "سأعطيك مهلة للاستعداد لغناء قطعة مغربية وإن لم تفعلي سأقوم بحبسك بالمغرب"، وبذلك أدت أغنية "ما أنا إلا بشر" التي داع صيتها في العالم العربي آنذاك.

خلاصة القول

يختم سعيد هبال حديثه موضحا.. لقد حاولت جمع كل هذه المستملحات والمقالب وغيرها في كتاب تحت عنوان "فنانون في بلاط الملك"، كتاب يبين الوجه الآخر للملك الحسن الثاني الذي لا يعرفه الكثير من المغاربة، وهو قيد الطبع.
وفي هذا الصدد وجبت الإشارة إلى إحداث لجنة كلفت بمشروع ضخم، وهو جمع تراث الملك الراحل، ومازال هذا المشروع لم ير النور إلى حد الآن

بقلم إدريس ولد القابلة
كاتب و صحافي مغربي.
  دبلوم الدراسات الجامعية العامة في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس
  مكلف بمهمة بمركز "حقوق الناس"
  باحث في مجال السياسة والتنمية المحلية والبيئة وحقوق الإنسان

Publicité
Commentaires
C
ajibouni hal honaka mim malikin mitlaho ?
D
ana djamel mina algeria askono fi milano italia la9ad atayto il almagreb fi chahr 8 almadi lizawaj min bin ani ahbebtoha wa ahbebto al magreb wa ahlaha lakina alhokoma lam yada3oni wa ana la astati3o al dokhol li asbab amnia la a3lamoha sa3idni sayidi al malik baraka alaho fik wafi ibnik waliyo 3ahdik fa anta tohibo kama ohibo ,,hada howa ihsasi ana monharon koliyan sa3idni sarih li dokholi il ardikom
م
صراحة غريب هذه المعلومات التي أسمعها عن جلالة الملك الراحل الحسن التاني راحمه الله<br /> موضـــوع جمــيل جدا<br /> واصل تألقك!!
A
ملك رائع بكل المقاييس لا زلت أقول أننا فقدنا رجلا ليس كبقية الرجال محنك وعبقري وذكي وفنان حتى النخاع وكأني به لا يزال حيا.. هل لا يزال حيا
المغرب الملكي
Publicité
Newsletter
702 abonnés
Derniers commentaires
Publicité