أعداء الحسن الثاني من هم؟ وكيف تعامل معهم؟
السياسة فن الممكن، وحرب مواقع، وتدبير للصراعات، وحسن اصطياد للفرص والغنائم. والصياد الجيد، حسب الحسن الثاني، هو من يقوده حدسه إلى معرفة الطريق إلى الطريدة. وكل ذلك يفترض وجود عقبات يشكلها المنافسون والخصوم، ولا يعتبرهم علم السياسة شوائب غريبة عن “فن السياسة” بل عناصر من صميم العمل السياسي المؤثر والفعال. والسياسي المحنك ليس هو من يزيل تلك العقبات من طريقه، بل من يتوصل إلى تدبير أحسن، بأقل الخسائر وأكثر الفوائد الممكنة
وبطبيعة الأشياء، فإن المتقلد لزمام الحكم عن طريق الديمقراطية ورضا الأغلبية وتعاقد المجتمع، يجد أمامه خصوما وأعداء أقل، ومهما كانت شراستهم ودرجة عدوانيتهم فإنهم يكونون مستعدين لقبول وجود الحاكم في موقع الحكم، ولا يعملون إلا على رحيله السريع، ولا يتأتى لهم ذلك إلا في حال وقوعه في المحظور، أو إضراره بمصالح الجماعة. بالمقابل يجد الدكتاتور أو القادم إلى سدة الحكم بالوراثة جيشا من الأعداء، واحتياطيا هائلا من الانتهازيين والمنافقين والمندسين. وكلما طال مقامه تأكد له ازدياد أعدادهم ونالته مكائدهم. أما وأن الراحل الحسن الثاني جلس فوق عرش عريق في لحظة فارقة في تاريخ الدولة، لحظة تشبه الولادة الجديدة، وكانت بمثابة توزيع التركة وتعيين الأوصياء على مخلفات الحماية الفرنسية، فإن الأعداء الداخليين والخارجيين لم يكونوا هم ما ينقص المشهد، وما كانت سياسته الصارمة والرافضة للتنازل، لتوفر عليه بعضهم.
داخليا، كان المعارضون ينحدرون أساسا من أبناء الحركة الوطنية المعتدين بمشاركتهم في تحرير البلاد وفضلهم في عودة الملك إلى عرشه، وأحقيتهم بذلك في مشاركته الحكم ونيل نصيبهم من السلطة. وزادت الاختلافات الإيديولوجية والفكرية، وتناقض المرجعيات الاقتصادية والسياسية الرائجة حينها في عز الحرب الباردة، من طابور المطالبين بكل أو بعض الكعكة.
أما خارجيا، فإن دولة الحسن الثاني كانت من منظور جيواستراتيجي دولة جديدة على غرار كل الخارجين من جبة الاستعمار. وكان المطلوب أن يدخل بدولته سريعا في معادلات القوى الاستعمارية المسيطرة على العالم حينها، مع الاستعداد لأخذ موقعه في تحالفات الغرب والشرق وعدم الانحياز. مع اليقظة لما يدبره الصغار في الجوار القريب، وعدم التفريط في أطراف الوطن المتمزق شمالا وجنوبا، شرقا وغربا.
هؤلاء الأعداء الخارجون كانوا أكثر إثارة وجاذبية لدى الحسن الثاني. كان كمن يستمتع بمقارعتهم ومنازلتهم لأنهم يبدون في نظره أقوياء، نجباء، ماكرين؛ وهي مواصفات الغريم الأمثل. بينما المناوشون داخليا خونة متواطئون مع الخارج، لا يستحقون حقوقا ومصيرهم الاستسلام أو الاندثار.
۞ بقية الموضوع ۞