الملك محمد السادس يقترح إسلاما عصريا فى مواجهة التطرف
يصنف خبراء فى مقاومة الإرهاب المملكة المغربية ضمن الدول التى نجحت جزئيا فى التصدى له دون أن يجزموا بأنها غدت فى منأى عن هذه الظاهرة التى ما فتئت تضرب فى الجوار المغربي، حيث كانت العملية التى أودت بحياة 11 جنديا موريتانيا ومرافقهم المدنى من أحدث الإنذارات التى وجهت إلى الرباط بأن أعمالا من صنف تفجيرات الدار البيضاء لم تغد من الماضى ما دامت هناك تنظيمات متشددة تنشط بالمنطقة. وبما أن هناك دائما رابطا بين الإرهاب والتشدد الديني، فقد لاحظ مراقبون وجود مقاربة مغربية تقوم على التصدى الاستباقى للظاهرة فى جذورها الأولى، وذلك بقطع الطريق على التشدد الدينى وشيوع الأصولية بين الناشئة. وفى هذا السياق تحديدا ينزل مراقبون كشف العاهل المغربى الملك محمد السادس السبت عن محاور خطة لإصلاح الحقل الدينى تشمل خصوصا المجلس العلمى الأعلى والأئمة والمساجد الى جانب الجاليات المغربية المقيمة فى الخارج. وقد أعلن ملك المغرب ذلك فى خطاب افتتح به أعمال المجلس العلمى الأعلى فى تطوان "شمال المغرب" قال فيه إنه سيجدد بصفته أمير المؤمنين المؤسسات المكلفة الشؤون الدينية، موضحا أن المحور الأول لعملية الاصلاح هذه يتناول "المجالس العلمية المحلية" بشكل يؤمّن ان يكون "لكل منطقة مجلسها العلمى الخاص". ويُقرأ فى هذا القرار الملكى المغربى توجها نحو فرض رقابة الدولة على النشاط الدينى تفاديا لأى نشاط منفلت فى هذا السياق يمكن أن يحمل محاذير الدعوة إلى التشدد أو التحريض على العنف. وقد وضع الملك المغربى هذه الخطوة تحت بند اللامركزية، قائلا "سيرا على نهجنا فى اعتماد اللاّمركزية وعدم التمركز قررنا أن يعاد النظر فى خريطة المجالس العلمية المحلية وهكذا سيتم تعميمها ليكون لكل اقليم او عمالة مجلسها العلمى ليتحقق ما نلح عليه من ضرورة مراعاة خصوصيات وتقاليد أهل كل منطقة والتجاوب مع تساؤلاتهم الدينية". إلى ذلك تحاول الدولة المغربية مد "سلطانها الديني" حتى خارج خارطتها بين جالياتها فى مهاجرها حيث ثبت أن تلك الجاليات -وجلها مؤلف من متوسطى الثقافة- من الهشاشة بحيث يسهل اختراقها من قبل التيارات الأصولية لتكون حاضنة للتشدد. ومن هنا كان إعلان الملك محمد السادس بذات المناسبة "الشروع فى إحداث مجلس علمى للجالية المغربية بأوروبا توخيا للانفتاح على خصوصيات قضاياها الدينية والثقافية والحفاظ على هويتها المغربية فى مواجهة النزعات الاصولية المتطرفة". كما يبدو أن التركيز سيكون كبيرا على دُور العبادة حتى تبقى فى حدود دورها الدينى ولا تتحول إلى منابر سياسية ودعوية وهو ما أشار إليه ملك المغرب ضمنا بالقول إن "الإصلاح المؤسسى لن يكتمل الا بتفعيل دور المساجد باعتبارها القلب النابض للمجال الروحي.. لذا قررنا اتخاذ تدابير تجسد رعايتنا الموصولة لبيوت الله باعتبارها ركنا اساسيا فى مخططنا الدينى التنويري". وما ينطبق على دور العبادة من مساجد وجوامع يشمل أئمتها أيضا حيث أوضح الملك محمد السادس انه "وجّه وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية لاطلاق برنامج شامل لتأطير وتأهيل أئمة المساجد بواسطة العلماء فى التزام بثوابت الأمة واختياراتها وانفتاح على قضايا العصر مع الأخذ بفقه التيسير". ويسجل فى كلام الملك المغربى هاجس التوفيق بين الهوية والمعاصرة حيث أكد أن مبادرته هذه تهدف الى "الارتقاء بالشأن الدينى للمملكة الى ما يتطلع اليه كافة المغاربة من تأهيل وتجديد وذلك بهدف توفير الأمن الروحى والحفاظ على الهوية الدينية الاسلامية المغربية"، موضحا أن "اصلاح الحقل الدينى وتأهيله يتوخى بالدرجة الاولى توفير الامن الروحى والحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية المغربية المتميزة بلزوم السنّة والجماعة والوسطية والاعتدال والانفتاح".ودعا الملك محمد السادس الى تفعيل "ميثاق العلماء" موضحا انه "برنامج نموذجى للتوعية والتنوير يقوم على حسن اداء العلماء لامانة الارشاد والتفقيه فى الدين عن قرب". واضاف ان ذلك "يقتضى منهم الانكباب على تأهيل ائمة المساجد والانتشار فى البوادى والمدن لتوعية عامة الناس وتوجيههم ومحاربة وتفنيد أضاليل التطرف".
الخطوة المغربية الجديدة ربطها المراقبون بفتوى تحلل الزواج من الفتيات من سن التاسعة أطلقها مؤخرا رجل دين مغربى وجرّت جدلا عنيفا انتهى أمام القضاء، الأمر الذى أشّر إلى أن المجال الدينى فى المغرب مازال محل تنازع بين دعاة التشدد ودعاة التنوير، بل حتى محل تجاذب سياسى ما حدا بالملك المغربى إلى العودة مجددا إلى موضوع "هيكلة الحقل الديني" ثانية بعد خطوة أولى فى سنة 2004 مع تركيز خاص على دور "العلماء" وهم فى منظور الملك المغربى دعاة التنوير والاعتدال المعوّل عليهم ليساهموا فى الارتقاء بائمة المساجد فى اطار "ميثاق العلماء". كما أن من واجبهم الانتشار فى كل مكان "لإرشاد الناس ومكافحة الادعاءات الخاطئة التى يأتى بها دعاة التطرف". أما بالنسبة للجاليات المغربية فى الخارج، فسينشئ المجلس الاعلى للعلماء قريبا قسما مخصصا "لتسهيل الانفتاح على الخصوصيات الدينية والثقافية" لهذه الجاليات. وقالت مصادر ان الملك محمد السادس عين طاهر تيجكانى رئيسا للمجلس العلمى الاعلى للجالية المغربية فى أوروبا.
العرب اونلاين