هل يحب المغاربة الملك محمد السادس؟
أجرى موقع هسبريس منذ سنتين استفتاء حول هل يعرف الأطفال المغاربة المقيمين في اسبانيا ( بين 5 سنوات و12 سنة ) الملك محمد السادس فكانت النتائج كارثية وذلك بفعل هيمنة الإعلام الإسباني وطرق التربية هناك ...
في المغرب ومن خلال الصورة التي رسمتها دار البريهي لولي العهد أنذاك الملك الحالي كونه يظهر بشكل جدي وبملامح الغضب البادية عليه وكانت تسوق لصورة ملك دون أن تدري تبعات ذلك فيما بعد على نفسية المغاربة وهذا موضوع يطول شرحه ; في المغرب دائما كان عصر الحسن الثاني مظلما بكل المقاييس حيث امتزجت صورة الحب والكراهية لدى المغاربة دون أن يميزوا فيها ما هو الجانب المشرق الذي يحبونه وما هو الجانب المظلم الذي يكرهونه . كانت تتناسل الإشاعات عن سجون المملكة الرهيبة وعن إحراق الزعيم التاريحي المهدي بن بركة وعن عصر الدم والخوف المزركش بالأجهزة السرية والعلنية في كل مكان . كان المغاربة يخافون من الحيطان ويتكلمون همسا ، خوفا من كلمة قد تؤول فيما بعد خطئا ويذهب ضحيتها أبرياء هنا وهناك .
في المقابل كانت الإحتفالات بعيد العرش وعيد الشباب وكذلك الإستعراضات المارطونية التي لاتنتهي بحفلات الأبهة والفخر والبذخ الملكي والتي تدوم لأيام لامعدودة يمتزج فيها الفرح والرقص والغناء والإحتفاء بالملك الراحل في شكل عجيب وغريب ولاتظهر الصورة الأخرى إلا لماما ، أعني صورة الكره الشديد .
بين الصورتين كان المرء والمثقف والباحث لايميز بين حدود الحالتين النقضيتين ، كانت الشوارع وهي تستقبل الملك الراحل تمتلئ بالبهجة ولكن النفوس كانت اقرب منه للذم والحسرة اكثر منها للإحتفال بشكل تلقائي خصوصا وان استفتاءات كانت نتيجتها مسبقة مائة في المائة على كل ما يقوله الملك الراحل ولم يكن يظهر لأي معارضة ذكر سوى ليتم احتواؤها بشكل سريع . كانت غضباته قاسية يحرم مناطق ومدن لمجرد خطأ في بروتوكولات الاستقبال أو ماشابه ذلك واستمر الحال حتى وفاته .
مات الراحل الحسن الثاني وظل المغاربة مختلفين بشأنه بين الخوف والجزع وبين الرهبة المسبقة والمحبة التلقائية من نصدق ومن نكذب ؟
في غياب استفاءاءات تقوم بها مراكز مختصة وبشكل علمي بعيدا عن التلويح بعصى الخوف والترهيب بقي الأمر غامضا يحتاج للكثيرمن البحث والدرس واستكشاف خبايا عصر كان مليئا بالدم والقتل والشهادات المرعبة والإنقلابات من حين لأخر .
ورث محمد السادس الإرث الثقيل بدءا من عادة تقبيل الأيادي إلى المشي في الأوحال وسط ذهول المرافقين له وكأنه يبشر بمغرب أخر ، مغرب ينزع فزاعته ليرى الحرية ووميضها البراق والكشاف .
ورث محمد السادس إرثا ثقيلا وحاول أن يخرج عتمة اللثام عن البيت أولا فكانت زوجته الأميرة للالة سلمى وهي تخرج لتظهر الجانب الخفي من ملكية كانت حبيسة الجدران ، ملكية تكشف عن نفسها بكل هدوء وتحاول تقديم خطوة للأمام نحو ملكية عصرية يمكن فيها للملك أن يحيا كمواطن ضمن بقية المواطنين المغاربة ونسيان مقولة الحريم والعبيد.
كان لهذه الخطوة أثرها النفسي والإجتماعي لملك شاب يتمرد على القيود المفروضة عليه ويبحث عن الجانب الإنساني والمضيء في شخصية الملك الحالي وكان التعاطف التلقائي كما صوره المحللون الأجانب وهو يعطي دفعة قوية لمغرب الحرية وجها أخر ، اكثر اعتدلا وتسامحا . كان موقفه من جريدة الصحيفة و قد أساءت إليه وكذلك الإفراج عن كل من الطفل محمد بلعسل ، محمد الراجي وفؤاد مرتضى بعفوه دلالات أعطت الانطباع أن الملك المواطن ينظر للأشياء رؤية إنسانية عميقة رغم الهفوات الكبيرة في سلك القضاء .
بين الرجلين مسافة كبيرة وهوة كبيرة يحاول الملك محمد السادس ملئ تلك الهوة السحيقة ونسيان التاريخ البعيد القريب من المغاربة .
في ظل غياب إعلام وطني يشرف على استفتاءات وإحصاءات بلغة السوسيولوجين وبشكل علمي ما الذي يحبه المغاربة في ملكهم وتوضيح ذلك للرأي العام بطرق علمية يجتهذ فيها خبراء الإعلام كثيرا لتقريب وتقديم صورة الملك في شكل كامل بعيدا عن بهرجة البروتوكولات المزيفة والتي لايرضاها الملك لنفسه ويشمئز منها لأنه يعرفها أنه مجرد خدعة لن تنطلي عليه وزيف لن يدوم .
والسؤال كيف يقدم الإعلام الوطني الملك محمد السادس ؟ وماذا يعرف المغاربة عن طباع محمد السادس ؟
تبقى الكثير من الأسئلة موضع تساؤل بالمقارنة مع الملكية في اسبانيا حيث يعرف المواطنون الإسبان الكثير عن شخصية خوان كارلوس وعقيلته وكذلك الأمير فليب وعقيلته وهناك متخصصون في دقائق الأمور عن شخصيات الملكية في اسبانيا .
كم عدد الكتب التي كتبت عن الملك محمد السادس والتي كتبها المغاربة دون مدح تكسبي ؟. كان الصحفي التكسبي (من الشعر التكسبي ) مصطفى العلوي وهويصدح بحنجرته : " وهذه يامولاي طلائع شعبك أبت إلا أن تلقاك في هذا اليوم السعيد والبهي ... " كانت تطول تلك الخطب كما القصائد كما الأغاني المسماة وطنية تنتهي بانتهاء يومها ويتكسب بها طائفة تمارس النفاق وهي تصدح بما لاتؤمن به .
انقضى ذلك العهد وبدت الوطنية في المغرب ترسم طريقا لها بعيدا عن أشكال التمجيد والتقديس المبالغ فيها وخرجت عقيلة الملك عادية تقترب من البسطاء كما يقترب الملك محمد السادس في رمضان من المعوزين والفقراء.
كانت الصورة التي قدم بها الملك على أنه "ملك للفقراء" سرعان ما تداركها أنه ملك " لكل المغاربة " ولكن الجانب الإنساني أرخى بظلاله على ملك له الكثير من المزايا والكثير من الحسنات ...
كان سؤالي الإستنكاري : هل يحب المغاربة محمد السادس ؟ بالمقابل كان سؤالا نقيضا له : من يكره محمد السادس ؟
في الملك كما في الحب تمتزج مشاعر الحب بغصة الكراهية بأشكال مختلفة ولكن قيم الحب تظهر من بعيد وترسم طريقها على ملك جديد يتقدم بخطوات في الوحل أمام انذهال من يرافقونه تؤشر أن المغرب يمر من ألوان رمادية عكرت صفو المغاربة إلى ألوان طبيعية ترى الأشياء في بعدها الحقيقي و حجمها التقريبي ومنظارها الصحيح من أجل ملكية برلمانية دستورية ديمقراطية فيها للمواطن الملك كما للمواطن العادي حقوقا وواجبات وأن كلا الإثنين سواسية أمام القانون
عبد الله ساورة