ماذا سيقول الطنجويون لو كتبوا رسالة إلى الملك؟
قبل حوالي عشر سنوات، وفي أولى سنة من حكمه، كانت الزيارة الطويلة التي قام بها الملك محمد السادس إلى طنجة حدثا غير مسبوق. الناس لم يعتادوا على زيارة ملكية بتلك الصورة، هم الذين تعودوا من قبل أن يأتي الملك الراحل الحسن الثاني متخفيا أو من وراء حجاب، وأحيانا من أجل استقبال ضيف مثير للجدل ثم يرحل سريعا، كما حدث مع شيمون بيريث سنة 1986 أو مع آخرين. اليوم يبدو وجود الملك محمد السادس في طنجة شيئا مألوفا، والناس تعودوا على رؤيته أكثر من مرة في السنة الواحدة، ورغم ذلك لا يوجد تقليد راسخ في طنجة يدفع الناس إلى ترصد تحركات الملك لتسليمه رسائل تتضمن طلبات من أجل الحصول على امتيازات معينة مثل عمل أو رخصة نقل. الناس عموما يحسون بنوع من القناعة بحياتهم، وفي كثير من المرات التقى شبان من المدينة بالملك والتقطوا معه صورا ثم انصرفوا. لكن الناس، بالمقابل، يتمنون لو أنهم يسلمون الملك لائحة بمطالبهم الجماعية التي يتداولونها فيما بينهم في المنازل والمقاهي، ويعتقدون أن مشاكل طنجة الحقيقية لا تصل الملك أو تصله مشوهة. سكان طنجة لو قدر لهم أن يسلموا الملك رسالة يضمنونها ما يريدون، فإنهم سيكتبون فيها أشياء كثيرة عن فوضى العقار، عن الغابات التي تم سحقها لكي تبنى فيها أحياء عشوائية، وعن «مدن الملح» الجديدة في مداخل طنجة، مثل مدخل طنجة من ناحية طريق الرباط، الذي يعتبر فضيحة حقيقية، باعتراف وزير السكنى نفسه. وأيضا سيتحدثون عن تلك العمارات التي نشأت في قلب شاطئ طنجة، على بعد أمتار من وديان الصرف الصحي. وسيتحدثون عن مدن البؤس في نواحي بني مكادة ومسنانة، وعن المدن العشوائية التي نبتت أمام عيون السلطة والمنتخبين. لو قدر لسكان طنجة أن يضعوا بين يدي الملك رسالة لاشتكوا له من الفواتير الخيالية لشركة فرنسية اسمها «أمانديس»، والمختصة في حلب جيوب السكان عن آخرها. هذه الشركة التي تقول إنها مكلفة أيضا بتطهير السائل والحد من التلوث، بينما لا تزال وديان كثيرة للصرف الصحي تفرغ في قلب الشواطئ، وأبرز مثال على ذلك شاطئ «مرقالة»، الذي كان جنة بيئية فتحول إلى كارثة بيئية.
لو قدر للطنجويين أن يكتبوا رسالة جماعية للملك لكتبوا فيها استغرابهم كيف أن طنجة، بسكانها الذين يفوقون المليونين، تفتقر لمسرح واحد، ولا يوجد بها مركب ثقافي، والمكتبات الصغيرة التي بنيت تسرح فيها الجرذان، ولماذا لم تخصص البقعة الأرضية الكبيرة، التي كان مقررا أن يقام فيها المعرض الدولي، لإنشاء مجمع ثقافي وسينمائي كبير، حتى لا تبقى طنجة فقط في عهدة السماسرة والجشعين ومبيضي الأموال. محبو الرياضة في طنجة يتمنون بدورهم إيصال رسالة إلى الملك يتساءلون فيها كيف أن مدينتهم، التي تحتضن مشاريع اقتصادية عملاقة، تفتقر لملاعب في المستوى، وأن المركب الجديد في منطقة الزياتين تتحرك فيه الأشغال كما تتحرك السلحفاة، وأن ملعب كرة السلة صغير وضيق وممنوع قانونيا من احتضان عدد من المباريات الرسمية، مع أنه بني بهبة ملكية. لو قدر لسكان طنجة أن يبعثوا رسالة للملك لطلبوا فيها أن تتوقف عمليات خصخصة الشواطئ التي أصبحت تتناقص صيفا بعد آخر، بحيث يتزايد عدد السكان بشكل مدهش وتتناقص الشواطئ بشكل مخيف. أما الطرقات فتتحول إلى ثقوب بعد أيام فقط من إصلاحها، والمدينة تغرق عند أول زخة مطر. سكان طنجة سيطلبون أيضا مدارس أكثر لأن الهجرة الحالية نحو طنجة لم تحدث من قبل، غير أن كل هذه المصانع والمعامل التي تستقبل آلاف الأيدي العاملة لا توازيها عملية بناء مدارس جديدة لاستقبال التلاميذ الجدد، فصار من الطبيعي أن فصلا دراسيا واحدا يمكن أن يزدحم بحوالي 70 تلميذا. لو قدر لسكان طنجة أن يقدموا رسالة باحتياجاتهم لطلبوا فتح طرقات جديدة تخفف من الاختناق المهول في حركة السير، ومستشفيات عمومية أكثر تنقص من الطوابير الطويلة كل صباح، ومعلمين بضمير حي في ضواحي طنجة، مثل فحص أنجرة، حيث يقضي التلاميذ سنوات طويلة في مدرسة ولا يستطيعون كتابة حرف الألف أو الباء، والسبب هو أن الدراسة هناك صورية، أي على أوراق نيابة التعليم فقط. وهناك أيضا مئات السكان الذين انتزعت منهم أراضيهم ولم يتلقوا تعويضا لحد الآن، وأبناؤهم محرومون من العمل في مشاريع الميناء المتوسطي
عبد الله الدامون عن يومية المساء