ملك المغرب : إصلاحات استباقية بلا تفاصيل
الوعد الذي قدمه الملك محمد السادس برعاية إصلاحات دستورية واسعة، بعد خروج تظاهرات متوسطة الحجم يوم 20 فبراير الماضي، ميزه عن باقي القادة في المنطقة. فأكثرهم قدموا القليل من الإصلاحات، بل قدموها في وقت متأخر في مسار الانتفاضات، ما أضعف تأثيرها. أما هو فقد قدم إصلاحات استباقية.فعلى السطح، تبدو إصلاحات الملك محمد مهمة، ولكن عدم وجود تفاصيل عن عمق هذه الإصلاحات يدعو الى شكوك نظرا الى التجارب الماضية التي مر بها المغرب.فقد أعلن العاهل المغربي في كلمة متلفزة في التاسع من مارس الجاري، عن إصلاحات دستورية شاملة، من المرتقب أن يجري التصويت عليها قريباً في استفتاء شعبي. تسعى هذه الإصلاحات إلى زيادة صلاحيات البرلمان في طرق غير محددة، وتعزيز استقلالية القضاء، ومنح المسؤولين المنتخبين سلطات تنفيذية على مستوى المحافظات والمجالس المحلية، في سياق مخطط جهوي أطلقه الملك عام 2010. من شأن الجهوية الجديدة أن تنقل السلطة من الوالي المعين إلى ممثلين جدد عن المناطق ينتخبهم الشعب. وبموجب الإصلاحات، سيتمتع رئيس الوزراء بسلطات تنفيذية أكبر، ومن شأن الدستور المنقح أن يعزز الحريات السياسية والمدنية وحقوق الإنسان.في الأشهر المقبلة ستتشاور لجنة أنشئت خصيصا لمراجعة الدستور برئاسة الخبير في القانون الدستوري عبداللطيف منوني، مع ممثلي النقابات العمالية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ومجموعات مصالح أخرى لمناقشة هذا النطاق. تتألف اللجنة من 18 عضوا هم من النقابات المهنية والناشطين السياسيين والقضاة والممثلين عن مجموعات حقوق الإنسان، مثل أمينة بو عياش من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والتكنوقراطيين المعروفين مثل عمر عزيمان ولاهسن ولحج الذي يمثل مصالح الأمازيغ (البربر). سينظر في توصيات اللجنة في يونيو المقبل ثم تطرح على الاستفتاء الوطني. وقد أشار الملك إلى أن الإصلاحات ستطبق من دون أي تأخير فور التصديق عليها.و يعتبر الإصلاحيون أن اقتراح الملك واعد، ولكن من الضروري «أخذ الحيطة» وترك «هامش للشك». وقد أثنت الأحزاب الكبرى، أي حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب العدالة والتنمية الإسلامي، على المبادرة. ووصفت الملك بأنه رجل دولة استثنائي. على الرغم من أن البعض في اليسار انتقدوا اللجنة المعينة، واعتبروا أنه كان يجب أن تكون منتخبة بدلا من تعيينها من جانب الملك. وأشاروا الى أن بعض أعضائها ـــ وبالتحديد منوني ـــ مقربون جدا من الملكية. معظم منظمي تظاهرات 20 فبراير تفاعلوا بالطريقة ذاتها تقريبا، وعبروا عن أن اللجنة لا تمثلهم، مطالبين بوقفة حاسمة ضد الفساد، وبإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومنح حريات أكبر للإعلاميين. بيد أن الجميع ينتظرون خطوات التنفيذ الأولى والضوابط التي ستفرض على سلطات الملك قبل أن يحكموا على مصداقية الإصلاح. وتصب مقاربة الملك في سياق استراتيجية يعتمدها منذ تسلمه السلطة عام 1999، حيث نأى بنفسه عن سياسات والده القمعية؛ ومن الخطوات الأولى التي قام بها بعد تسلمه العرش إقالة إدريس البصري، الذي كان مقرباً من والده ووزير داخليته المثير للرهبة. ووجه محمد السادس دعوة إلى عبدالرحمن اليوسفي الذي كان ناقدا جريئا لسياسات الملك حسن الثاني، للعودة من المنفى وسمح له بتشكيل حكومة يسيطر عليها اليساريون. وقد بدا في تلك اللحظة أن المغرب يسير نحو التغيير الحقيقي. فحكومة اليوسفي انطلقت مع آمال عالية وتبنت أجندة للإصلاحات التقدمية، لكن جزءا كبيرا من الوعود التي قط.عت لم يتجسد على أرض الواقع. بيد أن الملك خرج من هذه التجربة وقد ذاع صيته بأنه رجل إصلاح، في حين حُمّ.ل السياسيون والتكنوقراطيون مسؤولية الإخفاقات التي منيت بها الحملة الملكية التي وصفت بأنها مطبقة لسياسة تقدمية. وخلال الأعوام العشرة اللاحقة كان التغيير سطحيا، مما يشير إلى أن الملك كان مهتما بتوليد انطباع أولي أكثر منه بالشروع في إصلاح حقيقي.الصفحة الجديدة من الإصلاحات الدستورية الموعودة قد تكون مثيلة لذلك في سياق أن الملك مجددا يحبط مناورات المسؤولين المنتخبين. الرد الحكومي الأول عند خروج تظاهرات 20 فبراير ـــ والذي تضمن وعود الحكومة باستحداث وظائف لآلاف الشبان الذين تخرجوا حديثا من الجامعات ـــ كان بمنزلة محاولة واضحة لترويض المجموعات الشبابية. وتدعو مبادرة الملك محمد السادس التالية مختلف المجموعات في الطيف السياسي الى تبني الإصلاحات ومحاسبتها على فشلها أو نجاحها. حتى إن كانت المبادرة حقيقية، يلقي هذا بضغوط كبيرة على السياسيين الذين يطالبون بفرصة للاضطلاع بدور قيادي ولطالما اشتكوا من أن الملك لا يمنحهم مجالا للتحرك.الملك محمد السادس- يحاول استباق المطالب التي يرفعها المتظاهرون قبل أن تلاحقه. ما لا يزال غير واضح هو إن كان الملك سيقبل بإصلاحات من شأنها أن تضع ضوابط على سلطته وأن يتجه المغرب نحو الملكية الدستورية الحقيقية
بتصرف عن مؤسسة كارينغي للسلام الدولي