الامير مولاي هشام يؤكد اختلافه مع القصر ويصف شباب 20 فبراير بالأنبياء الشعبيين
يعود الأمير مولاي هشام إلى تصويب سّهام النقد ليس فقط على المغرب وإنّما على مجمل الأنظمة العربيَّة التي يرى أنّها متواطئة على قمع شعوبها، ويعرب عن إعجابه الشديد بالحركات الشبابيّة التي تقود مسيرة التغيير ويصف شباب حركة 20 فبراير المغربيّة بـ"الأنبياء الشعبيين"و يصوّب الأمير هشام بن عبد الله العلوي، نيرانه على بلده المغرب موجهًا انتقادات إلى أعلى سلطة في البلاد، من دون أن يغفل عن انتقاد باقي الأنظمة العربيّة التي تتفق على قمع شعوبها.وغالبًا ما تتضمن تصريحات الأمير هشام إشارات إلى العلاقة التي تربطه بالقصر المغربيّ وملكه، وهي علاقة يختلط فيها الأسري بالسياسي. ولا يتردد الأمير المغربي في الكشف عن أن صلته بملك محمد السادس تتسم مؤخرًا بالفتور، ويوضح خلال حوار أجراه معه الصحافي ستيفان سميت أنه التقى العاهل المغربي مرتين منذ اعتلائه العرش وكان ذلك أثناء حضوره لمناسبتين عائليتين. و يقول الأمير هشام الذي آثر الاستقرار مع عائلته في الولايات المتحدة الأميركيّة "أنا غير مرغوب فيه سياسيا في القصر"، في إشارة إلى مواقفه التي توصف من قبل المهتمين بالتقدمية والديمقراطيّة إلا أنها لا تنال رضا دوائر الحكم في المغرب. وفي هذا السياق يقول ابن عم العاهل المغربي "بعد وفاة (الملك الراحل) الحسن الثاني، قلت للملك محمد السادس وبكل إخلاص يجب إحداث تغيير حقيقي وليس الاكتفاء بتطعيم الحياة السياسيّة بوجوه شابة، ومنذ ذلك الحين لم ألتقه إلا مرتين وفي إطار مناسبات عائليّة صرف".
ويعتزّ الامير هشام في انتمائه إلى العائلة الملكيّة في المغرب ويقول عنها إنّها "نجحت في التحالف مع الشعب لوضع حد للاستعمار"، من دون أن يغفل الإشارة إلى انتمائه من جانب والدته لمياء الصلح إلى إحدى العائلات الوطنية المرموقة في العالم العربي".
يعود الأمير إلى فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني ليعلّل سعة اطلاعه على الأوضاع في المغرب، فيوضح أنّه لم يخف آراءه عن الملك الراحل، لافتًا "صارحت الملك الحسن الثاني برأيي"، ومعترفا بأنّه تعلم الكثير من خلال معايشة الفترة الزمنية التي حكم فيها الملك الحسن الثاني، كما استفاد من الرحلات الدبلوماسيّة الخارجيّة التي كان يرافق فيها والده في المناسبات التي كان ينوب فيها الوالد عن أخيه.
يضيف "بعد وفاة الملك الحسن الثاني، تمسّكت برأي وأصريت على ضرورة احداث تغيير في الطبقة السياسية لتحيا الملكية وتخدم المغاربة". كما أني عبرت عن رأيي كوني ضد ملكية تحت مسؤولية أمير المؤمنين في تداخل بين المسئوليات السياسية و الدينية".
وإذ ينفي الأمير هشام خلافه مع أي جهة، في إشارة إلى ابن عمّه الملك محمد السّادس، يصرّ على التمسّك بالحق في حرية التعبير عن رأيه من دون الاصطدام بالخطوط الحمراء. ويبرّر الأمير اغترابه واختياره الاستقرار في بلد غير موطنه الأم بالقول "شعرت بأنّني أزعج الملك، فآثرت الابتعاد". يضيف مولاي هشام "حضوري المكثف سيشكل عرقلة للمسار بلادي الديمقراطي خلال هذه المرحلة".
إلا أنّه ليس نادمًا على اغترابه عن وطنه، فالاستقرار في الولايات المتّحدة الأميركيّة أتاح له إمكانيّة تحقيق الذات على الصعيدين المهنيّ والشخصيّ، كما أتاح لأبنائه "أن ينشأوا في بيئة منفتحة وحرة".
ولطالما كان الأمير هشام صريحًا، وخصوصًا مع نفسه، ويوضح في هذا الصدد "قلت ما كان علي قوله ولم يلق كلامي أذنًا صاغية لدى الحسن الثاني أو محمد السادس"، كما لم ينتبه مروجو الأخبار والألقاب إلى تصريحاتي، فلقبوا الملك محمد السادس بـ "ملك الفقراء" بينما نعتوني بـ "الأمير الأحمر"! "أمر مضحك"، يضيف مولاي هشام.
وينتقد الأمير هشام بشدة ظروف الاستفتاء على الدستور، معيبًا على الوسائل التي تمّ استخدامها لحثّ المغاربة على التصويت بـ"نعم"، وبينها الشحن والتعبئة داخل المساجد بعد خطبة موجهة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة. ويعتبر الأمير هشام الأساليب المنتهجة للتأثير على التصويت فريدة من نوعها، حيث "لم يشهد لها المغرب مثيلاً حتى أثناء عهد الحسن الثاني ووزير داخليّته ادريس البصري... سيد الاستفتاءات!". يضيف متسائلاً: إن كان الملك المغربي مقتنعًا في أنّ أغلبيّة المغاربة ستصوّت إيجابًا في الاستفتاء على الدستور، فلماذا حوّل الاستفتاء إلى بيعة شعبيّة؟
ويستعرض الأمير هشام الأجواء التي ترافقت مع الاستفتاء، حيث تمّ تجنيد "الزاوية البوتشيشية"، وهي أكبر المدارس المغربية، بالإضافة إلى ما أسماه بـ"العصابات المكونة من شباب منحرف والتي أوكل لها دور تكسير المظاهرات وفي بعض الأحيان استعمال العنف".
وتحظى حركة 20 فبراير بتقدير خاص لدى مولاي هشام، إذ يصف الشباب الذي أطلقها بأنّهم "الأنبياء الشعبيين"، لأنهم "يقولون الحقيقة في الأماكن العامة".
ولا يهضم الأمير هشام كلماته - كما يقول الفرنسيون - حين يتحدّث عن مضامين الدستور الجديد. ويرى فيه "محاولة من الطبقة الحاكمة لكسب الوقت الذي تضيعه البلاد بالتأكيد"، إلا أنه يعبر عن "تفاؤله بمستقبل المغرب الذي من المفروض أن يسير تدريجيا نحو الديمقراطيّة".
حين يُسأل الأمير عن الربيع العربي، لا يخفي ميله إلى إطلاق تسمية "اليقظة العربية" على كلّ الحراك الشعبيّ الذي تشهده المنطقة العربية. التسمية الأولى، في نظره، تبطن معنى "الفصل العابر والدوري"، أو قل اللهب سريع الانطفاء، وإن كان يخلص في النهاية إلى كون التسميات لا معنى لها بذاتها، مهما تعددت هذه التسميات أو اختلفت. الأمر الأساس، بالنسبة إليه، هو "التخلص من الأحكام الثقافية المسبقة تجاه العرب، والقراءات المجتزأة للإسلام".
يؤمن مولاي هشام "أنَّ العالم العربي لن يعود القهقرى، أو يسقط في إغفاءة جديدة". ويبدي تبرماً وضيقاً ممن لا يكفون عن الترويج لخصوصية عربية مزعومة في بحثهم عن تبرير أسباب استدامة أنظمة قمعية عربية. لذا نراه يقول في معرض تفصيل الأسباب التي قادت إلى إضرام نار الانتفاضة في قش العديد من الأنظمة العربية: "إنَّ العربي المضطهد يبحث عن الحرية، عن الانعتاق من نير مضطهديه، تماماً مثلما يفعل أي مضطهد في العالم يعاني جور الأنظمة". وهو لا يخفي تطلعاً إلى وجوب أن يحافظ الشارع العربي على هذا الوهج النضالي، وأن يواظب بحماسة على "التعبير عن رأيه بطريقة منظمة ومستمرة"، ناصحاً الحكام العرب بضرورة أن يأخذوا في الاعتبار إرادة شعوبهم، وأن يسهموا في تحويل مطالبات الشارع العربي إلى ينبوع مائي دفاق يسقي نهر الديمقراطية".
يعتقد مولاي هشام أن في الحراك الشعبي الراهن تعبير واضح عن "سخط الشارع العربي وثأره لكرامته المفقودة". لهذا السبب بالذات، يرى صعوبة في أن يترجم الخطاب السياسي الليبرالي أو الاشتراكي أو حتى الديني أحلام الناس الذين خرجوا إلى الشارع لا يرفعون سوى "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية شعاراً". يقول: "ينبغي أن يجد هذا الشعار ترجمته. ذاك ما يطالب به ويطلبه المواطن العربيّ".
في قراءته للتجربة التونسية، يميل مولاي هشام إلى إظهار تفاؤله. وهو يبني رأيه على معطيات علمية، من أهمها العامل الديموغرافي السكانيّ، ويسميه "النضج الديموغرافي"، شارحاً أنَّ متوسط عمر الفئة الشابة في تونس يصل إلى 29 سنة. وبقوة يافعة مماثلة، لكن سديدة الرأي، سيكون بمقدور التونسيين أن يقفزوا ببلادهم إلى مرحلة جديدة، وهو معطى يفتقر إليه بلد كاليمن، لا يتجاوز متوسط عمر شبابه 18 عاماً.
لقد أفسحت الانتفاضات الشعبية العربية مجال إعطاء الوطنية روحاً جديدة، سواء من خلال الشعارات التي رفعها المتظاهرون، أو من خلال حملهم أعلام بلادهم بحسب مولاي هشام. وطنية لا تلبس لبوس القومية المتعصبة، بل تعيد إحياء تلك العلاقة الاجتماعية التي دفنت في النفوس بفعل سنوات من الاضطهاد.
في استعراضه أسباب وقوف بلدان الخليج على هامش الربيع العربي، يتوقف مولاي هشام عند "عائدات النفط التي تحول المواطنين إلى محتاجين للمساعدات، وضعف فاعلية المجتمع المدني بالرغم من اتساع قاعدة الطبقة الوسطى، ووفرة أعداد الوافدين من الأجانب ممن يديرون آلة الاقتصاد بأقل كلفة، فضلاً عن غياب الفوائد الواضحة لأي تغيير ديمقراطي.
ماذا عن دول الشرق الأوسط الأخرى؟ يرى مولاي هشام أنَّ المستقبل قد يأتي حافلاً بمفاجآت مدوية، خصوصاً في إيران والعراق، "البلدين اللذين تحكمهما ثلة من المنفيين القدامى ومقاولي الإثنيات والعرقيات". ويضيف: "إنهما دولتان ملغومتان، مبتليتان بفساد كبير"، متسائلاً إن نظام الحكم في العراق "سينهار فور مغادرة الجيوش الأميركية المنطقة؟".لا يفوت الأمير الشاب انتقاد مقاربة الحكومة الإسرائيلية اليمينية، "المنطوية على نفسها" بحسب وصفه، للحراك الذي يعرفه العالم العربي. إنها مقاربة لا تزال تراهن على عقد صفقات سلام مع الأنظمة عوض الشعوب. ويشدد مولاي هشام على أن الانتفاضة الشعبية العربية قد تبلغ أهدافها، "وتغلق القوسين" اللذين فتحتهما الأنظمة للتصالح مع إسرائيل، من دون أن تتوصل الشعوب العربية إلى "المصالحة التاريخية". آنذاك، يضيف، لا يمكن لتل أبيب أن تشتكي من تكوّن شعور عربي معاد لها.
يعتقد مولاي هشام أنَّ المشروع الإسلامي في المنطقة، الذي ينشد قيام الدولة الأمة، قد يجد صدى إيجابياً في المستقبل إن قام التوافق عليه وفق قواعد ديمقراطية. يقول: "يمكن للعالم العربي أن يقيم ديمقراطية مسلمة، تماماً على غرار ذاك النمط من الديمقراطية المسيحية الذي تختبره أوروبا". و في ظلّ الانتفاضات العربية، من الملحوظ أن الجيوش الوطنية تلعب دوراً حاسماً في المشهد السياسي في كلّ بلد على حدة. لكن مولاي هشام يعتقد أن تدخل الجيش "يعقد المعادلة" أحياناً بدل أن يبسطها، وإن كان يلاحظ أن الجيوش يمكن أن تلعب دوراً مركزياً في كسب رهان الديمقراطية في العالم العربي، بحسب رأي مولاي هشام، معترفاً في المقابل أنَّ لكل جيش خصوصية. وهو يقدم الجيش الجزائري نموذجاً، كونه الجيش والدولة نفسها في آن بحسب رأيه. لماذا إذاً وقف الجيش في الجزائر على الحياد، بعيداً عن كلّ هذا الحراك الذي يضج به العالم العربي؟ يجيب مولاي هشام: "يعود السبب من جهة إلى السنوات التسع الدامية التي عاشها الجزائريون نتيجة الحرب الأهلية"، كما إلى البترودولار الذي تمكله الجزائر، وبه "تشتري غضب شعبها… لكن إلى حين
عن إيلاف