Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
المغرب الملكي
6 juin 2012

من سلطان إلى ملك

93a3849

في قلب باريس، جوار نهر السين وغير بعيد من الحي اللاتيني، أمام مبني «معهد العالم العربي»، توجد ساحة محمد الخامس. ووفقا للتقليد المتبع في بلدية باريس ينتصب عمود يحمل اسم الشخص أو المصدر الذي يحمل المكان اسمه. وتحت اسم العاهل المغربي نقرأ ما يلي: سلطان المغرب (1927 - 1956) - ملك المغرب (1956 - 1961). والمثير في الأمر هو، بالنسبة لأغلب من تستوقفهم العلامة أو يدفع بهم فضولهم المعرفي إلى الفهم، هذا الجمع في الشخص الواحد بين نعتي الملك والسلطان. ذلك أن كلا الصفتين تحملان إيحاءات كثيرة وتفيضان بمعاني غزيرة: فحيث نجد في نعت «السلطان» نفحة شرقية توحي بالاستبداد وحكومة عصور الانحطاط، فنحن نرى، على العكس من ذلك، معاني مغايرة في نعت «الملك» تجعله ذا صلة بالدولة في تصورها الحديث. والحق أن الشأن في ملك المغرب هو كذلك مع انقضاء عصر الحماية والاستعمار واسترجاع الحرية السياسية المغتصبة طيلة أربعة عقود ونيف. والحق أيضا أن محمد الخامس تجتمع فيه صفات النقلة من الدولة ما قبل الحديثة إلى الدولة الحديثة في تجلياتها المختلفة (وأخصها صفة الملكية الدستورية أو بالأحرى بذل الجهد والطاقة للوصول إليها في شروط ليست دوما مواتية)، وبصفة رمزية يصح القول في جد محمد السادس وأب الحسن الثاني إننا، بالفعل، أمام الانتقال من حكم السلطان إلى دولة الملك. وقبل عدة أشهر أصدر الصحافي المقتدر والوزير السابق وأحد قادة حزب الاستقلال والباحثين في الفكر المغربي الوطني الأستاذ محمد العربي المساري، كتابا يحمل هذا المعني الدال: «محمد الخامس: من سلطان إلى ملك».

يؤرخ الكتاب، في ظاهر الأمر، لفترة حرجة من حكم محمد الخامس، هي الفترة التي تمتد بين إرساله إلى المنفى من قبل السلطة الاستعمارية الفرنسية في اليوم المشهود من تاريخ المغرب المعاصر (20/8/1953) واضطرار القوة الاستعمارية نفسها إلى الرجوع به إلى أرض الوطن، وبالتالي العمل على تأكيد شرعيته والاعتراف بالهزيمة التامة اعترافا كان عنه استرجاع المغرب استقلاله. بيد أن العمل التوثيقي الهائل الذي قام به المؤلف والشهادات الثمينة التي وفق في جمعها في مجتمع سياسي، لا يزال التقليد الشفوي يحكمه، ولا يزال شح الكتابة والتدوين السمة الغالبة عليه، عمل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك - وهذا البعد هو الذي يغرينا اليوم بالوقوف عنده وبالتنبيه على بعض مناحيه.
من قبيل تحصيل الحاصل أن ننعت عمل محمد الخامس بالعمل البطولي؛ إذ وقف في وجه السلطة الاستعمارية الشرسة في شمم وعلو نفس، فالكل يعلم أن «ابن يوسف» (وهذا هو الاسم الوجداني الذي ظل يحمله في الوجدان الشعبي) قد انحاز، منذ اليوم الأول، إلى جانب العمل الوطني، وآثر التنسيق الكامل مع الحركة الوطنية المغربية، وجعل من بناء الدولة المغربية الحديثة هدفا أسمى، واختار، منذ زمن مبكر أيضا، نظام الملكية الدستورية في وقت كانت الظروف التاريخية والسياسية للمغرب المعاصر أبعد ما تكون عن حال النضج والقبول لاختيار مماثل. لهذه الأسباب أولا وللعمل البطولي، حقا، القائم في اختيار الحرية مع جهل المصير (وهذا ثانيا) كانت لمحمد الخامس الصورة المشرقة في سماء الكفاح من أجل التحرير، وكان اسمه يذكر، جنبا إلى جنب، مع أسماء كبار زعماء العمل التحريري في العالم المعاصر.
كيف استطاع محمد الخامس أن يحقق النقلة الكبرى من «سلطان المغرب» الذي لم يكن بالضرورة في صلة التحام مع «الشعب» المغربي، إلى «ملك المغرب» الذي يجسد السيادة الوطنية ويمثل الأمة المغربية؟ ما نقول عنه إنه «نقلة كبرى» هو كذلك لأنه يعني الانتقال من تصور سياسي للسلطة والدولة والحكم، هو ذاك الذي كان الشأن عليه ليلة استعمار المغرب، وكان الحال عليه في عهود متصلة يسمها العصر الوسيط بميسمه، إلى وجود سياسي معاصر تتحدد فيه للسلطة السياسية وظائف واضحة تكون السلطة فيه تعاقدا اجتماعيا واضحا دقيقا، وتكون في الملكية نظام ملكية دستورية واضحة الأركان دقيقة الملامح. و من الجلي بذاته أن إقدام السلطة الاستعمارية على نفي محمد الخامس والإتيان بدمية يتم وضعها على عرش البلاد لم يكن ليتم دون اجتماع شروط ثلاثة، أولها هو الوقوع في أحابيل قراءة سوسيولوجية خاطئة خطأ كليا: نظرية مفادها وجود التناقض في المغرب بين الأمازيغ والعرب من جهة، وبين سكان البوادي والمدن من جهة أخرى. وبموجب هذه النظرية كان محمد الخامس ملك المدن (وبالتالي نسبة مئوية قليلة من ساكنة المغرب في مطلع خمسينات القرن الماضي)، وإذا أضيف إلى ذلك أن السلطان، في مساندته التامة لعمل الحركة الوطنية المغربية (والحق أن الأمر كان يتعلق بتنسيق مع تلك الحركة تنسيقا لم تكن الحماية الفرنسية في غفلة عنه)، كان لا يخلو من ابتعاد عن الدين الإسلامي على النحو الذي كان أرباب الطرق الصوفية والزوايا يفهمونه به، ومن ثم كانوا يدورون في فلك السلطة الحمائية، بل كانوا في الغالب الأعم في حال من الخضوع والتبعية المطلقة والانصياع لتعليماتها. والشرط الثاني هو أن السلطة الاستعمارية قد استطاعت أن تجمع حولها مجموعة من القياد والباشاوات (الحكام المحليين)، فضلا عن كبار الطرق والزوايا كما لمحنا إلى ذلك، ولهذا السبب الثاني أصل يرجع إلى تدبير استعماري دقيق طيلة عقود عديدة سبقت حدث الاستعمار ذاته، وكانت ثمرة أبحاث ميدانية ودراسات عديدة مما لا يتسع المجال للخوض فيه. أما الشرط الثالث فهو قصر النظر الذي يلازم النظرة الاستعمارية، كما دلت على ذلك تجارب أمم وشعوب مختلفة من آسيا وأفريقيا. ولقصر النظر هذا مظاهر وأبعاد كثيرة أفسح العربي المساري لذكرها وللتوثيق لها بالأقوال والشهادات التي لم تكن مستقاة من الشهادات الوطنية المغربية، بل كانت مستمدة من المصادر الفرنسية المتنوعة: مصادر من منشورات ومذكرات السلطات الاستعمارية مما أمكن الوصول إليه بطرق ملتوية أحيانا، ومصادر من مقررات المجالس الحكومية الفرنسية، وأخرى من محاضر جلسات البرلمان الفرنسي، فضلا عن عدد هائل من مذكرات وزراء فرنسيين سابقين ومقيمين عامين، ومن شهادات تمكن باحثون فرنسيون وجامعيون مغاربة من استجماعها. من ذلك قول المساري، منذ الصفحات الأولى من كتابه «فيما حسب الفرنسيون أن النفي كان نهاية مسلسل، تحول ذلك الحدث إلى بدية مسلسل». بيد أن النزاهة الفكرية تقضي بالاعتراف بأن الشأن لم يكن يخلو من وجود مفكرين فرنسيين أحرار ومن رجال دولة لم يكفوا عن إدانة المغامرة التي أقدم عليها الاستعمار الفرنسي بالدفع بالملك الشرعي للبلاد، ولا يزال القادة الوطنيون الأحياء يقدرون الخطوة الإيجابية الشجاعة التي أقدم عليها وزير في الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت بإقدامه على تقديم استقالته من الوزارة احتجاجا على المغامرة الفرنسية - وهذا الوزير الفرنسي هو الذي سيصبح، بعد ثلاثين سنة من التاريخ المذكور، رئيسا للجمهورية الفرنسية لفترتين رئاسيتين، وهو الرئيس فرانسوا ميتران.
كتاب الأستاذ محمد العربي المساري يستحق التنويه والتقدير، وأحسب، في الظرفية الراهنة، إضافة هامة وثمينة لمعرفتنا  التاريخية ولوعينا السياسي في المغرب المعاصر

عن الشرق الاوسط

Publicité
Commentaires
المغرب الملكي
Publicité
Newsletter
702 abonnés
Derniers commentaires
Publicité