حذاري من خدام التاج!
القليل من انتبه إلى المأزق الذي وجد القصر نفسه داخله بخصوص ملف منير الماجدي الذي استغل منصبه ككاتب خاص للملك محمد السادس ومسؤول عن إدارة ثروته للدخول في صفقات مشبوهة لحسابه، لم يستطع الملك إقالة الماجدي علانية وببلاغ من وزارة عبد الحق المريني كما وقع سابقا مع فؤاد الفيلالي، ولم يستطع الملك فتح تحقيق قضائي في الملف كما وقع مع ملفات أخرى، كما لم يكن بإمكان القصر غض الطرف عن اقتراب الماجدي من أراضي الأوقاف التي يعتبر الملك، حسب نظرية إمارة المؤمنين، مسؤولا عن المحافظة عليها وصيانتها، لأنها أملاك وثروات ذات حساسية دينية خاصة..
ماذا وقع إذن..؟ غضب الملك على كاتبه الخاص وغضب على وزيره في الأوقاف.. لكنه ظل في الوسط.. إنها إحدى مفارقات الملكية التنفيذية يا سادة، أنتم المدافعون عن ملكية تسود وتحكم..
لقد اتضح أن الملك لم يكن في صورة صفقة أراضي تارودانت، وقد استقبل بسطاء الناس خبر توقيف الماجدي بالكثير من الفرح الذي ينفس عن المشاعر المكبوتة إزاء فضائح استغلال النفوذ. ولكن المشكل في العمق ظل قائما؛ كيف يمكن للملكية أن تحمي نفسها من أعوانها وخدامها والمحيطين بها؟ إن أقوى تهديد لحق بالملكية على مدار تاريخ الأسرة العلوية جاء من المقربين منها، بدون الرجوع إلى تاريخ أربعة قرون من حكم الملكية. يمكن التساؤل عن من تقدم لخلافة محمد الخامس يوم تعرض للنفي، أليس قريبه ابن عرفة؟ من عمد إلى قلب نظام الحسن الثاني وتهديد حياة الجالس على العرش مرتين، أليس الجينرال أوفقير الذي كان يتباهى بالولاء المطلق للعرش؟ ثم من كان يخطط للتآمر على نظام الحسن الثاني في الثمانينيات، أليس الجينرال الغامض أحمد الدليمي؟ من يمعن اليوم في «تقطير الشمع» على العهد الجديد أكثر من أي شخص آخر، أليس إدريس البصري وزير داخلية المملكة الأسبق؟
إن أخطر ما يهدد الأنظمة التقليدية، مثل النظام الملكي المغربي، هو محيط كامل من المتزلفين ومن أصحاب مقابل كل خدمة ثمن.. الذين يوظفون حاجة الملكية إلى خدمات شتى ثم يعملون على استغلال الثقة فيهم للإثراء غير المشروع والوصول إلى مواقع المسؤولية خارج صندوق الاقتراع ودولة المؤسسات..
زبناء الملكية كانوا على مر العصور، سواء في الشرق أو في الغرب، من أكثر الفئات حرصا على عزل الملك عن الشعب وإبقائه في أبراجه العاجية بعيدا عن الحقيقة الاجتماعية والسياسية القائمة. ومقابل كل هذا، كانت هذه البطانة توظف التاج لخدمة أغراضها، القليل من أثبت إخلاصه وولاءه للقصور. وقد فوجئ السلطان محمد الخامس يوم تم نفيه في الخمسينيات من حجم العلماء والوجهاء والقياد والباشوات والأعيان والأسر الذين انقلبوا ضده وبايعوا ابن عرفة. وحدهم الوطنيون الذين كانوا في السجون والمنافي مَنْ وقفوا ضد إبعاده ورأوا في هذا الإبعاد مسا بكرامة المغرب وسعيا نحو الاستقلال. فمن يفتح كتاب التاريخ للدرس والعبرة..؟
توفيق بوعشرين رئيس تحرير يومية المساء