محمد السادس الملك الخجول اصبح جريئا ومتمردا
اكتشف المغاربة محمد السادس وهو يخلف الحسن الثاني على عرش المملكة اذ لم يتعرفو ا عليه وهو ولي للعهد الا من خلال مرافقته لابيه ومساهمته في بعض الانشطة البروتوكولية والخيرية وكان يبدو هادئا ولكنه لم يكن متدخلا في الحياة السياسية المغربية مثلما كان والده خلال ولايته للعهد في حياة محمد الخامس ..وخلال اللحظات الاولى لظهور الملك الجديد سيكتشف المغاربة ان محمد السادس وعلى النقيض من والده الحسن الثاني كان خجولا يشبك اصابعه وهو يتحدث الى ضيوفه ينصت اكثر مما يتحدث في الوقت الذي كانوا تعودو فيه على ابيه يتحدث في جميع المواضيع ويرتجل الخطب لا يكاد يودع ضيفا من ضيوف المملكة دون حتى يستقبل اخر اكتشفوا ايضا ان الخطاب الملكي في عهد محمد السادس اصبح مختصرا يلقيه الملك من ورقة موضوعة امامه واصبح هناك احترام للموعد المعلن لاذاعته واستعمال لقاموس مستعار من خطابات الاحزاب اليسارية وبعد مرور تسع سنوات من توليه الحكم اكتشفوا مرة اخرى ان الملك اضحى اكثر جراة واصبح اكثر المبادر الى الهجوم بعد ان كان يحكمه رد الفعل فماذا تغير في محمد السادس بعد تسع سنوات من الحكم ..
في احد الحوارات الصحفية القليلة التي اجراها الملك ساله صحافي فرنسي هل غيرتك السلطة فاجابه بما معناه انه عندما تولى الحكم طلب من شقيقه الامير مولاي رشيد ان يخبره اذا لمس اي تغيير فيه وبعد مرور بعض الوقت عاد الملك ليستفسر شقيقه ان كانت السلطة قد غيرت في الملك الشاب شيئا فاجابه الامير نعم لقد تغيرت قليلا لكن الملك اوضح للصحافي الذي ساله ان كان التغيير ايجابيا قبل ان يسر له بما كان يخالج نفسه :في البداية كنت اعتقد انني لن اتبدل وانني ساظل مثلما انا لكن السلطة تبدل الرجل ولست الاستثناء ...وفي نفس الحوار اعترف الملك انه يستشعر ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه كما انه ليس ملك الفقراء وحدهم واما ملك الاغنياء والشيوخ والشباب ملك الجميع قبل ان يضيف :انني لا اقول لشعبي انني لا اخطئ لكنني اعده ببذل قصارى جهدي فهل كان نوعا من الاعتذار المبطن عن زلة تالسينت ..هل استفاد الملك من تجربة المشاريع الوهمية التي ظلت تقدم له طيلة بداية حكمه ومن اجل ذلك ظل يصر على ان يتتبع شخصيا بعض المشاريع الكبرى هل ستستمر اللهجة الحادة التي خاطب بها المشاركين في المناظرة الوطنية حول الرياضة واتهام الجزائر بشكل مباشر بعرقلة التسوية النهائية لملف الصحراء المغربية في الخطب المقبلة وهل اضحى الملك اكثر جراة في طرح المواضيع وان لم يكن كذلك هل هي ثقة زائدة في النفس ام هو النضج الذي ظهر بعد تسع سنوات وهل تاخر هذا النضج ام جاء غي وقته ..في هذا الملف نسترجع صورة سيدي محمد ولي العهد وهو يقف الى جانب شقيقه الامير مولاي رشيد خلف الحسن الثاني في مهمات رسمية وايضا نعيد تركيب اصعب اللحظات في تاريخ المملكة لنصل الى محمد السادس وهو ملك لعلنا نخرج باجابة شافية عن سؤال ماذا تغير في محمد السادس بعد تسع سنوات من الحكم
تقلد الملك محمد السادس الذي يعتبر الملك الثالث والعشرون للدولة العلوية عدة مسؤوليات وهو ولي للعهد ففي الرابعة من عمره رافق والده الحسن الثاني في الزيارة الرسمية التي قام بها للولايات المتحدة يومي 9 و10فبراير 1967في حين ان اول مهمة رسمية قام بها الى الخارج كانت بتاريخ 6 ابريل 1974حين مثل الحسن الثاني في القداس الديني بكاتدرائية نوتردام بباريس اثر وفاة الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو كما مثله في تشييع جنازة امبراطور اليابان هيرو هيتو يوم 23 فبراير 1989.والى جانب ذلك ظل محمد السادس يقوم بعدة زيارات لعدد من الدول الافريقية في الغالب كان الهدف منها تسليم الرؤساء رسائل شخصية من الملك الحسن الثاني..خلال اغلب المهمات الرسمية كان محمد السادس انذاك الشاب المتحررمن القيود والراغب في الحياة لا يتردد في اعلان تبرمه من ثقل الرسميات فسيدي محمد لم يكن يشبه والده الحسن الثاني المغرق منذ كان وليا للعهد في البروتوكول يتذكر المغاربة جبدا في هذا الصدد الملك الراحل اثناء احدى اللقاءات نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي التي كان يحشد لها المخزن الالاف من المواطنين للقاء الملك حيث ظل الحسن الثاني يلح على ولديه محمد السادس ومولاي رشيد الرد على تحايا المواطنين لكن الشابين الخجولين كانا يرفعان يديهما فقط ارضا لوالدهما الذي كان يزيد الحاحه كل مرة وسرعان ما كانا يقفان جامدين كلما عاد الاب لينظر امامه وليحيي الجموع الغفيرة من المغاربة ..مسار ولي العهد سيطبعه بعد ذلك تكثر من اصطدام مع اب يختلف في نظرته للحياة عن نظرة ابنه البكر الذي يميل الى التحرر الا ان اختلاف وجهات النظر وردود فعل الحسن الثاني الاب لم تكن لتغلب وجهة نظر على اخرى فقد استمر الخلاف الى اخر عمر الملك الراحل ..لذلك لم يكن سهلا على محمد السادس الذي ظل كولي للعهد بعيدا عن الحكم ومتاعبه الانتقال من عالمه الخاص الى مرحلة تولي المسؤولية او هكذا على الاقل تقدمه مختلف التحقيقات الصحفية التي حاولت استجلاء الغموض الذي يلف جانبا كبيرا من شخصية الامير سيدي محمد الذي عينه الحسن الثاني في سن الثانية والعشرين منسقا عاما لمكاتب ومصالح الاركان العامة للقوات المسلحة الملكية(رقي في العام 1994 الى رتبة جنرال دوفيزيون)وهي مهمة تليق بمقام امير تراس بعد ذلك الجمعية المغربية للحصان الركوب ونادي الاوداية لرياضة ركوب الامواج وتليق ايضا بامير ظل يجلس الى جانب اخيه الامير مولاي رشيد خلف الحسن الثاني في جميع الخطب التي يلقيها في التزام تام بجميع قواعد البروتوكول
يتميز محمد السادس ايضا انه بعد وقبل تولي الحكم تقتصر زياراته الخارجية على الاستجمام اذ لم تتعد الزيارات الرسمية التي قام بها كولي للعهد على اصابع اليد الواحدة كما تراس مؤتمرات دولية وجهوية اهمها القمة السابعة لدول عدم الانحياز(1983)القمة الفرنسية الافريقية العاشرة (1983)لكن ذلك لم يكن كافيا ليجعل الامير المقبل على تولي الملك سياسيا محنكا بامكانه ادارة الملفات السياسية وتدبير المفاوضات ولقاء الملوك والرؤساء يفسر ذلك ان الحسن الثاني ظل حريصا حتى خلال السنوات الاخيرة من حياته على القيام بكل شئ يخص الحكم ,فالملك الراحل لم يكن فقط ملكا يستحوذ على جميع الاختصاصات والسلط ولكن ايضا لم يدع لولي العهد الفرصة لاكتساب التجربة وانضاجها وحتى حين عهد اليه في اخر سنوات حكمه وبالضبط سنة 1994بالتفاوض مع ممثلي جبهة البوليساريو لم تتوفر لمحمد السادس ولي العهد انذاك الصلاحيات الكافية للتفاوض لقد كان اشبه بممثل لابيه يقول مصدر على اطلاع بما جرى ذلك اليوم بل اكثر من ذلك ظل الحسن الثاني حريصا على ترتيب مرحلة تولي محمد السادس الحكم دون اشراك هذا الاخير حيث هيئ لمرحلة التناوب بكثير من الدهاء وعمل على تعديل الدستور في مناسبتين مقابل ذلك ظل محمد السادس بعيدا او هكذا على الاقل ما يريد في الوقت الذي اختارت فيه الالة الاعلامية ان تروج لصورة محمد السادس المتعاطف مع الفقراء والمعاقين والمظلومين حيث شكل حادث منطقة الدروة في العام 1997 الذي اودى بحياة اكثر من تلميذ علامة فارقة في حياة ولي العهد خصوصا بعد ان ظلت القناتين التلفزيتين تعيدان بث صوره وهو يتفقد الضحايا قبل ان يصبح ترصد خطوات الامير فرصة يتهافت عليها المعاقون الذين يسلمونه رسائل استعطاف فيامر بتوظيفهم ومنحهم كريمات مما كرس في اذهان المغاربة ان من صلب الحسن الثاني الملك القاسي محمد السادس الملك الطيب والحنون
ثم كان 23 يوليوز من العام 1999اليوم الذي اعلن فيه وفاة الملك الراحل الحسن الثاني وتولى سيدي محمد الملك اي اصعب يوم في حياة الملك محمد السادس فقد وضع اكثر من سيناريو لما قد يجري بعد الاعلان الرسمي عن وفاة الملك لكن اكثرها تفاؤلا لم يكن يتوقع ان تنتظم الحشود في مسيرات شعبية لتوديع جنازة الملك الذي لم يصدق المغاربة انه يمكن ان يكون توفي كما هي سنة البشرية او على الاقل لم يتصوروا انه يمكن يستمر المغرب دون الحسن الثاني رغم اصوات الجموع كانت تهتف بما اوتي لها من قوة _مات الملك عاش الملك_..محمد السادس والمقربون منه وحدهم ادركوا حقيقة ان الحسن الثاني مات وان مقاليد العرش العلوي باتت بين يدي الملك الشاب وان عليه بالضرورة المحافظة عليها ثم كان اول اختبار للملك وبالضبط خلال الموكب الجنائزي. محمد السادس بدا متاثرا وهو يقود جثمان والده نحو مثواه الاخير في حين كان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك واحد من المقربين من الحسن الثاني قريبا من الملك الحديث العهد بشؤون تدبير الحكم اما على ارض الواقع فقد كانت الدولة ملمة بجميع التفاصيل في حين ان ترتيب الاشياء كان دقيقا ...بعد مرور سنة على توليه الحكم سيقع محمد السادس في اكبر ورطة قد تصادف رئيس دولة ففي خطاب عيد الشباب اعلن الملك الشاب عن اكتشاف البترول بتالسينت ووعد المغاربة ان لا يكون المغرب بلدا يعتمد على اقتصاد الريع بل انه طلب منهم القيام بصلاة الشكر قبل ان يتبين ان الملك كان ضحية سوء تقدير من اعتمد عليهم في التنقيب الى جانب ذلك تسائل المغاربة هل يمكن ان يكون محمد السادس الملك الخجول مكان والده الذي عرف منذ صغر سنه بجراته الزائدة وازدادت حدة السؤال بعد ان اصبح الملك الشاب يكلف اخاه بالنيابة عنه في حضور القمم العربية و بتراجع الدور الذي ظل يلعبه المغرب في القضية الفلسطينية على الخصوص لصالح دول اخرى وقبل ان يتعود المغاربة على طريقة القاء الملك لخطب واعتماده على الورقة بخلاف والده الذي كان يرتجل خطبه على الشعب المغربي فوجئوا بعرس الملك على شاشات التلفزيون تماما كما فوجئوا بالعريس الاول في المملكة مترددا يتنقل لتحية ضيوفه بخطوات قصيرة ويحييهم بخجل ثم فوجئ الاسبان قبل المغاربة بالتناقض الذي ميز تدبير محمد السادس لازمات المملكة مع الاسبان وفوجئوا به يلقي خطابا هجوميا على الجزائر ويتبنى موقفا اكثر حدة اربك حسابات جنرالات الجزائر وقبل ذلك اذهل محمد السادس المغاربة بالخطاب القوي الذي تضمنته الرسالة التي وجهها للمناضرة الوطنية حول الرياضة خصوصا ان النقد لم يستثني حسني بنسليمان اقرب المقربين من الملك واحد صناع القرارات الكبرى بالمملكة فهل تعكس القوة التي اكتسبتها الخطب الملكية الاخيرة ثقة الملك بنفسه ام هو مجرد استثناء مرتبط بسياقات معينة هكذا نعيد ترتيب اهم الاحداث التي كانت فيها بصمة الملك واضحة محاولين اكتشاف اهم مراحل تغيير قرارات محمد السادس
عن اسبوعية المشعل