مساخيط سيدنا
بعد أن «طار» منير الشرايبي والي مراكش ورشيد الركيبي والي بالداخلية، لاشك أن «الرّعدة» تسري الآن في عظام أكثر من مسؤول سامي، كل واحد حزم مسبقا نصف حقيبة سفره في انتظار التحاقه بـ«نادي مساخيط الملك»و لا يحتاج المرء إلى الاستعانة بقارئة الفنجان لمعرفة بروفيل محمد السادس. فقراءة خاطفة لمجموع قرارات التعيين التي أعلن عنها رسميا في السنوات العشر الماضية تكشف عن الهواجس الأربعة للملك، وهي: الهاجس الأمني، الهاجس الدبلوماسي، الهاجس الاقتصادي، ثم هاجس ترتيب القصر والديوان الملكي، بالنظر إلى أن هذه الهواجس هي المتحكمة أكثر في التعيينات التي باشرها مقارنة مع قطاعات أخرى..فخلال هذه العشرية أصدر الملك 553 قرار تعيين مسؤولين سامين، ونقصد هنا المسؤولين الذين يسيرون هرم المؤسسة المعنية وليس عموم الموظفين السامين (مثلا نحصي تعيين مدير المخابرات العسكرية ولا نحصي الضباط السامين العاملين تحت إمرته الذين يعينون بظهير أيضا. ونحصي الوالي أو العامل ولا نحصي مئات القواد والباشوات المعينين بظهير أيضا، وهكذا دواليك).وبقدر ما تكشف حصيلة التعيينات عن بروفيل الملك، بقدر ما تكشف قرارات العزل والإعفاء عن القطاعات التي تمثل رهانا سياسيا تستدعي من الشخص المعين التوفر على مجموعة من المعايير والخصائص الضامنة لبقائه أو على الأقل إعادة تعيينه في منصب سامي آخر بعد إعفائه.يكفي فقط ذكر الحالات التي تم فيها عزل مسؤولين سامين في الأسابيع الأخيرة للوقوف على هذا الاستنتاج: فها هو منير الشرايبي يزاح من عرش مراكش، وهذا مصطفى البكوري يقال من مملكة «السيديجي»، وذاك نبيل بنعبد الله يعفى من شرف تمثيل محمد السادس في روما، وذاك يونس معمر يبعد من أكثر المرافق استراتيجية في حياة الأمم (المكتب الوطني للكهرباء)...إلخ. وكل هذه الحالات، وعددها 40 حالة (انظر الصفحات الموالية) تتميز بقاسم مشترك ألا وهو الإبعاد في ظروف إما مذلة (حالة العفورة) أو مهينة (حالة عليوة) أو غامضة (مثلا حالة العامل بلخضر العسري أو حالة نبيل بنعبد الله) أو جافة (حالة الشرايبي والركيبي وبرادة مثلا)...إلخ.
هذا النوع من القرارات التي طالت كبار المسؤولين مثلث 7.23 في المائة من مجموع القرارات التي اتخذها محمد السادس خلال السنوات العشر الماضية. ومع ذلك يبقى عددها ضئيلا، لأنها لا تمثل سوى أربعة قرارات إعفاء أو إبعاد عاصف كل سنة من أصل 55.3 قرار تعيين ملكي سنويا.
وإذا انتقلنا إلى مستوى آخر من التحليل، نجد أن نصف القرارات العاصفة التي اتخذها محمد السادس طالت المناصب الأمنية الحساسة (والي، عامل، مخابرات، العسكر الأمن الملكي)، إذ بلغ المجموع 20 قرارا أغلبها بالإدارة الترابية (11 قرارا) متبوعة بالجيش (5) والأمن الملكي والمخابرات (قراران عاصفان لكل مرفق).
ففي الإدارة الترابية نتذكر حالات الإبعاد التي طالت عبد العزيز العفورة (عامل عين السبع)، ثم محاكمته من بعد، تليها حالة شويحات (عامل خنيفرة) أو رشيد ركيبي (العامل الملحق بالوزارة) أو محي الدين أمزازي أو الحالة التي حظيت بالمتابعة الإعلامية مؤخرا المرتبطة بمنير الشرايبي (والي مراكش). أما في الجيش فحسبنا الاستشهاد بالإبعاد الجاف للجنيرال بلبشير من مديرية الأمن العسكري والجنيرال مراد بلحسن وإدريس عرشان والجنيرال الحرشي. أما في الأمن الملكي، فتبقى حالتي المديوري الذي صدر في حقه بلاغ من الديوان الملكي يوم 22 ماي 2000 يخبر بإعفائه من طرف الملك وعبد العزيز إيزو الذي تم اتهامه بالتورط في شبكة المخدرات بين الويدان. وفي المخابرات المدنية تحضرنا حالتا علابوش وأحمد حراري اللذين تم الاستغناء عنهما بدون إعادة تعيينهما في مناصب عمومية سامية أخرى.
«للي فرط يكرط»
قد يقول قائل إن قرارات العزل الجاف تميزت بالارتفاع في القطاعات الأمنية (50 في المائة)، إلا أن هذا التبرير يبقى واهيا، على اعتبار أن قرارات التعيين الملكية تتميز بدورها بأنها ترتبط أكثر بالمناصب الأمنية. بدليل أنه إذا أدمجنا الإدارة الترابية (أليس الولاة والعمال هم ممثلو الملك الساهرون على إخباره بالشاذة والفاذة، والذين يترأسون كل المصالح الأمنية بدائرة نفوذهم!؟) بالإدارات الاستخباراتية والعسكرية، نجد أن محمد السادس اتخذ 277 قرارا في هذه الخانة، أي ما يمثل 50 في المائة تقريبا من مجموع ما أصدره من قرارات تعيين في مناصب سامية. وبالتالي كان منتظرا أن ترتفع احتمالات القرارات العاصفة في القطاعات الترابية والأمنية والعسكرية.
لكن المثير في الأمر هو عدم تساهل محمد السادس مع المسؤولين المعينين في المؤسسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أن الشعار المرفوع في هذه المرافق هو: «للي فرط يكرط». بدليل أن مجموع من عزلهم محمد السادس بشكل صادم بلغ 44 في المائة من مجموع من عين في هذه القطاعات. فإذا أخذنا مثلا المكتب الوطني للكهرباء نجد أن عزل يونس معمر بالطريقة المهينة يرتبط بعدم استحضار هذا الأخير لمعطى أساسي، ألا وهو الوتيرة المتصاعدة في إيقاع الملك (المدن الجديدة، برنامج 150 ألف دار سنويا، المناطق الحرة والموانئ الضخمة...إلخ.) وهي أوراش تتطلب بالأساس الكهرباء والتخطيط المسبق للمشاريع المولدة للطاقة، وليس الركون إلى الزوايا المعتمة في الصالونات في انتظار «غودو»! أو حالة فتيحة بنيس التي عينت على رأس المكتب الوطني للسياحة وعجزت عن تسطير برنامج يتماشى مع رغبة المغرب في تسويق منتوجه لاستقطاب 10 مليون سائح أو خالد عليوة الذي عين على رأس هرم القرض العقاري والسياحي لمواكبة الخطاب الرسمي بشأن إنعاش السكن، فإذا به ينعش سجله السكني الخاص، أو محمد برادة الذي وضعه الملك على رأس أهم مرفق سيادي بالبلاد (الخطوط الجوية الملكية)، فإذا ببرادة يتراخى إلى أن سيطر السلفيون والإسلاميون المتطرفون على الشركة...إلخ.
بعد أن «طار» منير الشرايبي والي مراكش ورشيد الركيبي والي بالداخلية، لاشك أن «الرّعدة» تسري الآن في عظام أكثر من مسؤول سامي، كل واحد حزم مسبقا نصف حقيبة سفره في انتظار التحاقه بـ«نادي مساخيط الملك
عبد الرحيم أريري و يوسف خطيب
عن اسبوعية الوطن الآن