الامير مولاي هشام ينتقد الحكومات التي تقيم مهرجانات فنية لا صلة لها بالواقع المعاش
يرى الأمير هشام بن عبد الله العلوي بن عم الملك محمد السادس في مقال في شهرية لوموند ديبلوماتيك، العدد الأخير، أن المثقف العربي أصبح ينهج سياسة التوافق مع السلطة القائمة لحمايته من ضغط وعنف الأصوليين. وفي الوقت ذاته، يعتبر ظاهرة المهرجات الكبرى التي تغزو العالم العربي وبدعم من السلطة مجرد مظاهر سطحية يدخل بعضها في التباهي والتقليد للغرب دون أدنى ارتباط بالواقع السياسي المعاش.ويقارن الأمير هشام الملقب بـ'الأمير الأحمر' بسبب آرائه السياسية الجريئة المنادية بإصلاح الملكية في المغرب بين تسامح العلماء التقليديين في الماضي مع الكثير من الأشكال الفنية والثقافية، بل ويبرز أن 'عظمة الإسلام تكمن أساسا في قدرته على تشرُّب مجموعة كبرى من التأثيرات الثقافية'، موضحا أن العالم الإسلامي كان يحمي التيارات الكبرى من الأدب والفلسفة القديمة، وينكب على دراستها وتطويرها'. ويعتبر الأمير هشام أن المنعطف حدث مع 'بروز الحركات الأصولية، حيث ظهرت إلى الوجود منظومة معايير جديدة، غالبا ما يطلق عليها نعت (السلفية)...فهذه المنظومة المعيارية لا تستمد قوتها من سلطة سياسية ما، ولكن من مكانة الصدارة التي أصبح التصور الضيق للإسلام يحتلها داخل الهوية العربية، كتعبير عن مقاومة التغريب والاستعمار الجديد'. ويبرز أن هذه الدينامية الساعية إلى إضفاء الطابع السلفي على العالم لم تحل دون استمتاع عامة الناس بكم هائل من الأعمال في القنوات التلفزية وعن طريق الفيديو والإنترنت والأدب الشعبي. ويشير إلى رغبة كثيرين في كبح هذا الانفتاح على الغرب وعلى العولمة، وبالتالي التنديد به على اعتبار أنه 'أجنبي دخيل'. ولكن ذلك معناه تجاهل قدرة العرب الخارقة على تمثل الإنتاج الثقافي المعاصر بمختلف تنويعاته وأشكاله.ويستطرد أن محاولات أسلمة الفن والثقافة لم تأت أكلها إلا نسبيا، رغم تنامي قوة الإسلام السياسي. ومع ذلك، ما زال الفنانون والمنتجون ممزقين بين ما تفرضه عليهم الثقافة المعولمة ومنظومة المعايير الدينية من إكراهات متناقضة. لهذا تراهم يسعون إلى تأكيد صفتهم كـ 'مسلمين'، رغم أن أعمالهم لا علاقة لها بتاتا بالدين، بل إنها تساهم أحيانا في إضفاء الطابع الدنيوي على المجتمعات. والحال أنهم بإقرارهم بذلك الانتماء، يؤكدون على هوية معينة، لا على ممارسة دينية. ويرى الأمير أن أنظمة الحكم تسمح للإسلاميين بالمراقبة الاجتماعية بما فيها الابداع دون تمكينهم من المراقبة السياسية، في حين يهادن المثقف السلطة لتحميه من رقابة وعنف السلفيين. ويركز الامير كثيرا على التمزق والمفارقة الكبيرة التي تتجاذب الهوية على المستوى الشخصي والمجتمعي. فيرى أن تنوع الثقافة الجماهيرية لا يؤدي بطريقة آلية إلى انطلاق مسلسل الدمقرطة وإبعاد المجتمع عن دائرة المقدس. فالشخص نفسه قد يقرأ اليوم رواية، وغدا كتيِّبا دينيا؛ وقد يتناول غداءه وهو يشاهد قناة 'اقرأ' المخصصة للإسلام، ويتعشى أمام إحدى الكليبات الغنائية التي تبثها قناة 'روتانا'، حسب قوله.وتنطبق هذه المفارقة بدورها على مستوى تعامل السلطة مع المهرجانات، ويعطي كمثال احتضان عدد من الدول لمهرجانات شهيرة مثل بعلبك اللبناني والموسيقى الروحية في المغرب التي تدعو للتسامح وتشجع عليه لكن 'هذه التظاهرات لا تبدي أي اهتمام بحساسية السكان المحليين، بسبب مضمونها نفسه. فما إن يُسدل الستار على فعالياتها، حتى يستعيد اليومي سلطته، من دون أن تخف المراقبة التي تمارسها الأنظمة على المجتمع'.
الحسين مجدوبي عن القدس العربي